تدوينات تونسية

تغوّل في الإعلام وغيبوبة في المشهد السياسي

منجي باكير

حريّة الرأي، حريّة الكلمة وحريّة الإعلام هي أكبر، أكبر ثوابت المستحقّات من بعد الثورة والتي دونها النّضال والتضحية،،، حريّة الرأي ضرورة لازمة لاستكمال وبقاء البناء الديمقراطي. لكنّ هذا المكسب وهذه الميزة التي أتت بها ثورة الشعب لا يمكن بحال من الأحوال أن تتقزّم لتحتكرها مجموعة دون باقي النسيج المجتمعي وإلاّ فإنّ غايتها ومُرادها يصبح عكسيّا وستنقلب إلى -ماكينة- ضارّة، إذ أنّ هذا المكسب من الحريّة على هذه الشّاكلة سينحصر ليكون -أداة- بيد تلك المجموعة المتغوّلة، توظّفها لاختطاف (الرأي العام) وتحويل اهتماماته بقضاياه الجوهريّة نحو هامشيّات ومفاسد تساهم في تغييب الوعي لديه وتقطع عنه سبيل التفكير والمقارنة، كما أنّها ستكون (آلة) تتحكّم من خلالها في غالب المشهد السياسي وتتفنّن في تطويعه لرغباتها وأجندتها خارج المصلحة الوطنيّة وبعيدا عن تطلّعات الشعب..!

للأسف هذا ما جري ويجري عندنا الآن، إذ أنّ هذه المجموعة المتغوّلة هي ذاك اللوبي الإعلامي، لوبي متعدد الأذرع وغير محصور في ماهية وحيدة ولا مرجعيّة واحدة، لكنّه يُجمع في كليّته على بسط يديه على أكثر مفاصل الإعلام وفي جميع مظاهره وأنواعه وبتخصّص أكثر في الإعلام السّمعي البصري لما له من تأثير حينيّ مباشر ومضمون النتائج، لوبي إعلامي متملّك بيد بارونات المال المشبوه وأجندات التغريب والإستئصال ومجاميع الردّة والإنقلاب على ما بقي من المسار الثوري وكاراكوزات الشذوذات الفكريّة الجسديّة…

هذا الإعلام بخلاف شقّه الذي أخذ على عاتقه مهامّ تلهية الرأي العام واختطاف الإنتباه لديه وتحويله إلى وجهات أخرى أو تهميش وتعويم الملفّات السّاخنة اللصيقة بمستحقات الشّعب لقتل الوعي فيه ونشر الإحباط واليأس لديه، فإنّ شقّه الآخر تكفّل بالعمل على سبر المشهد السّياسي -المتضارب أصلا- والدّخول في تفاصيله واحتواء ما استطاع من مكوّناته، هذا المشهد السياسي الدّائم التصارع والتحوّل في بيئة لا تتقن الفعل السياسي، بل تتطفّل على ممارسة السياسة بمفاهيم وأساليب رعوانيّة خالية من المعرفة والديبلوماسيّة والدياليكتيك السياسي المتعارف عليه، أضف إلى ذلك الأنانيّة / المصلحيّة التي تظهر لدى شخوص من هذا المشهد والطمع البادي عليهم في الظفر ببهرج السّلطة وقرع أبواب الجاه والمال ممّا جعلهم فريسة سهلة الإصطياد والتطويع والتطبيع من حيث يدرون أو لا يدرون.

كما أنّ القائمين على هذا الإعلام -الذي لا يَصلح و لا يُصلح- لا يدّخرون جهدا أبدا في سعيهم الدائم لتكريس ومنْهَجة سلوكهم الخبيث هذا لاستقطاب واحتواء السّياسيين فرادى وجماعات، فإنّهم أيضا استطاعوا إلى حدّ مّا التحكّم في -النّفخ- في شخصيّات بعضهم مقابل تقزيم آخرين من خلال الإستضافات في البرامج والملفّات وأيضا من خلال افتعال استبيانات موجَّهة واستفتاءات على المقاس ترفع من يشايعهم وتخفض من لا يسير في ركبهم.

هذا التغوّل الإعلامي الفاسد والمفسد بسيطرته المفرطة على المسار السياسي خلق غوغائيّة أضافها إلى تعثّر هذا المسار وعجزه الفاضح عن ايجاد أرضيّة مشتركة وأهداف (وطنيّة) جامعة بممارسات سياسيّة واعية حقيقيّة تدفع نحو البناء والإنماء بعيدا عن التجاذبات والمزايدات والولاءات، أيضا بالمقابل عمّق شرخ الخمول الفكري لدى عامّة الشّعب وكرّس لديهم انفصامات إجتماعية وعقدٌ سلوكيّة ٌساهمت في تعميق الإحباط لديهم…

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock