سوريا: الإرهاب المباح (حول المليشيات الشيعيّة في سوريا)
لماذا يصمت العالم حين يتعلّق الأمر بالمقاتلين الشيعة الذين استقدمهم نظام بشّار العلوي كمرتزقة لقتل شعبه الثائر؟ يبدو السؤال وجيها إذا حققنا عناصر التناظر الأساسية ضمن إطار المقارنة بين المقاتلين المنتسبين للمنظومة السنيّة المناهضين لنظام بشّار والمقاتلين المنتسبين للمنظومة الشيعيّة المؤيّدين للنظام.
بعد ثمانية أشهر من مشاهد القتل وإطلاق الرصاص على جحافل المتظاهرين السلميين في شوارع المدن السوريّة أخذت ملامح عسكرة الثورة في الظهور عبر الانشقاقات التي بدأها ضباط وجنود الجيش السوري الرافض لمنهج التقتيل ثمّ أخذت العناصر الخارجيّة في التشكّل العفوي بداية عبر سفر بعض الشباب إلى سوريا “نصرة” لأهلها المظلومين غير أنّ رغبة النظام في تجاوز الحق الشعبي المطالب بالحريّة عبر التظاهر السلمي أوحت له باستدعاء عناصر الصراع الطائفي بداية ثمّ تشكيل عناصر الصراع الدموي عبر استخدام العقليّة المخابراتيّة في إنتاج تشكيلات إرهابيّة كان تنظيم الدولة النسخة الأحدث والأكثر دمويّة.
للنظام السوري تجربة استخباراتيّة مكنته من صناعة المجموعات الجهاديّة العنيفة واختراقها عبر إدارة الصراع مع التواجد الأمريكي في العراق منذ سقوط بغداد 2003 بل إنّ كثيرا من قادة تلك المجموعات “الإسلاميّة” المقاتلة كانوا من منتسبي الجيش الجمهوري العراقي وفدائيي صدّام كما كانت الأراضي السورية معبرا للمقاتلين الإسلاميين المنتسبين أساسا لتنظيم القاعدة ولم يتردد نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي في 2009 في اتهام النظام السوري بدعم “الإرهابيين”.
في الثورة السوريّة استحضر النظام كل براعته المخابراتيّة وعمل على صناعة تنظيم “جهادي” مستنسخ من المجموعات التي شكّلتها المخابرات السوريّة في العراق من بقايا حزب البعث العراقي وقاتل القوّات الأمريكيّة فكان النسخة الأحدث من هذا المزيج الغريب من الجهاديين وبقايا الجيش العراقي والمتمثلة في شخصية زعيم تنظيم الدولة أبو بكر البغدادي.
لقد استفاد النظام السوري من نشأة تنظيم الدولة وهي نشأة تبدو لغزا من حيث التوقيت والتشكيل البنائي الهيكلي لعناصرها ومن حيث شعاراتها وأهدافها بل إنّ رموز الحركات الجهاديّة العالميّة كانوا رافضين لنشأة هذا التنظيم وهذا ما يعمّق الحضور المخابراتي ويؤكّد حاجة النظام لمثل هذا التنظيم وقد حقق النظام السوري بذلك غايتين أساسيتين أمّا الأولى فتتعلّق بإثارة مخاوف الغرب المحمّل بهواجس القاعدة والتنظيمات الجهادية وبدا تراجع الغرب وارتباكه حول المسألة السورية جليّا وتردّدت السياسات الغربيّة بين إضعاف النظام دون إسقاطه ومواجهة التنظيمات الجهادية العنيفة ومقاتلتها وهذا ما بدا واضحا في معركة “كوباني”.
بدت المعارك التي يخوضها النظام السوري مع الجماعات المسلّحة مغرية للغرب فالمعركة أساسا بين أعداء يتساوون في الخطورة وهي عمليّة فناء ذاتي تقضي على النظام من ناحية وعلى خطر التنظيمات الجهاديّة الإسلاميّة من ناحية أخرى وفي الوقت نفسه. وظل الخطاب الغربي عموما منشدّا لعبارات التنديد وشعارات التهديد عبر بوّابة الأمم المتحدة.
في الوقت الذي نشأ فيه تنظيم الدولة في سوريا والعراق كانت الجماعات الشيعيّة المقاتلة تقاتل إلى جانب النظام وتجرم في حق الشعب السوري وكان رهان الحفاظ على النظام العلوي رهانا شيعيا يتجاوز كلّ الخطوط الحمر وكانت إيران مستعدّة للتدخل العسكري المباشر لإنقاذ نظام بشّار من السقوط وهذا ما حصل فعلا.
ومن خلال الحضور الشيعي كوجه من وجوه الصراع الدموي في سوريا سنبحث عن عناصر التماثل بين تنظيم الدولة وهو التنظيم السني الأعنف والأكثر دمويّة والتنظيمات الشيعيّة المقاتلة في سوريا.
• استدعاء البعد الديني فالحرب في سوريا لها خلفيّة دينيّة مؤيّدة بنصوص تراثيّة وفتاوى من المرجعيّة الشيعيّة وفقهاء المجموعات الجهاديّة وعلمائهم.
• استحضار التاريخ من خلال أدبيّات شيعيّة أعادت معارك سوريا إلى فضاء تاريخي يعود إلى زمن الفتنة الكبرى ومقتل الحسين فالحرب في سوريا تحمل نفسا طائفيا معلوما أضحي عنصر تجنيد قويا بالنسبة للطرفين.
• استحضار جاذبيّة دولة الخلافة ودولة الإمامة فقد أحيا تنظيم الدولة في الوجدان الإسلامي ما كان ثاويا من انتظارات الوحدة الإسلامية والأمجاد التاريخيّة وكذلك انشدّ الخطاب الشيعيّ إلى المخيال الشيعي في عودة الإمام المغيّب الذي سيظهر ويملأ الدنيا عدلا بعد أن ملئت جورا.
• ولّد هذا الاستحضار للمقدّس الديني في إطار خوض الصراع وتجنيد المقاتلين حالة من الانجذاب الوجداني المدفوع برغبة جامحة في الانتقام العنيف بلغ حدّ الجنون.
رغم هذا التماثل في المنطلقات والأعمال القتاليّة الإجراميّة يظلّ العالم صامتا بخصوص التواجد الشيعي في سوريا ويظلّ حضور المليشيات الشيعيّة مؤيّدا حتى من النخب العربيّة القوميّة واليساريّة.
الجواب عن سؤال الصمت يحققه رهانات استراتيجيّة ومحاولات رسم خارطة شرق أوسطية جديدة ستكون بديلا لخارطة سايكس-بيكو بعد مرور مائة عام وانتهاء صلوحيّتها السياسيّة والاقتصاديّة والحضاريّة.
الاستراتيجيون الغربيون يدركون إدراكا تاريخيّا أن الحضور الشيعي عبر التاريخ الإسلامي كان علامة التراجع الحضاري وهو في علاقة تناسب طردي بين قوّة الدولة الشيعيّة وتراجع الحضور الإسلامي في العالم.