تدوينات تونسية

المجاهد الأكبر فيدال كاسترو… وأهل ماركس والجماع

بشير العبيدي
#أقولها_وأمضي
قبل أيام، في ليلة بثّ شهادات ضحايا الاضطهاد البورقيبي الزعبعي على الشعب التونسي، قال أحد الضحايا التونسيين من الماركسيين، في سياق ردّه عن الجلادين الذين كانوا يؤاخذونه على مذهبه الشيوعي : وما له الفكر الشيوعي؟! فالشيوعية هي نوّارة الفكر البشري” !!!
أعجبتني العبارة كثيرا، وتذكرتها هذا اليوم وأنا أتابع أخبار الحداد على موت المجاهد الأكبر الكوبي فيدال كاسترو، وهو “إحدى نوّارات الفكر الشيوعي”.
المجاهد الأكبر فيدال كاسترو حكم كوبا نصف قرن بلا منازع. ولأنّه نوّارة من نوّارات الشيوعية على قول أحد الشيوعيين التونسيين، فقد زرع في كوبا كلّ الألوان من الأزهار. لقد جعل من كوبا أمّة عظيمة متقدّمة منيعة، تنعم بمناظر النوّار في كل زقاق وحقل، حتى داخل الزنازين والدهاليز والدواميس، حيث كان يمارس على معارضيه أرفع أنواع الدعابات مستخدما النوّار، أداته الوحيدة المستخدمة في التعذيب.
ولكثرة ما زرع المجاهد الأكبر فيدال كاسترو من الأزهار في كوبا، نتج فائض كبير، فاضطر لتجفيفه في الشمس، وبناء المصانع الكبرى لصناعة التبغ الكوبي الشهير. ولذلك، قلما رأى الكوبيون مجاهدهم الأكبر من دون تلك السيجارة العظيمة التي تحترق بكل أريحية بين شفتي الزعيم الأوحد المتفرّد.
لقد عمّ الرخاء الشيوعي في كوبا حتى ملّه الكوبيون، وكرهوا حياة الراحة والبذخ، واضطر شبابهم للهروب إلى جارة الوادي، أمريكا المجاورة، من أجل البحث عن حياة أكثر طرافة ودهشة من رتابة الحياة السعيدة الهادئة تحت نخيل الكوكو على شواطئ الجزيرة الكوبية.
كما عمّت السّعادة الشيوعية الكوبية أرجاء كثيرة من العالم، ولذلك وقف المجاهد الأكبر فيدال كاسترو مع الاتحاد السوفييتي في كل معاركه، وركز صواريخ سوفياتية على أرض كوبا مما كاد أن يسبب حربا نووية كونية، وكان الجنود الكوبيون في المقدمة يهدون النوّار الذي فاض عن كوبا، يلقونه على المواطنين في براغ وكابول وكل العواصم التي دخلها السوفيات فاتحين البلاد المتخلفة، بهدف إلحاقها بركب الحضارة الشيوعية، نوارة الحضارات البشرية. وقد يقول قائل : لقد كان الرجل مع قضية فلسطين ! بلى كان موقفه مع فلسطين. لكن ما فائدة أن تكون في صف فلسطين هنا، وفي صف قتلة الأفغان هناك؟
وهكذا، فإن المجاهد الأكبر فيدال كاسترو عظم شأنه في كوبا والعالم حتى صار هذا العالم صغيرا عليه. ذلك أن المتألّهين لا يرضون بكويكب صغير مثل كويكب الأرض، بل يلزمهم كواكب أخرى من حجم المشتري فما فوق، لأن ذواتهم المقدسة تورّمت بشكل لم يعد معه في الإمكان توفير مكان لهم على كوكبنا الأزرق الصغير. بل لا بدّ من مجموعات شمسية بكاملها ومجرّات في حجم مجرّد نهر التبانة لكي تستوعب شخوصهم المتألهة، ويكون فضاء تلك المجرات من جزيئات الغازات منبعثة من أزهارهم الفواحة، التي زرعوها في كل مكان، لكي تتغذّى من أيديولوجية الشيوعية، نوارة الفكر البشري.
ولأن الناس في حاجة أن يشمّوا الأزهار إلى آخر رمق في حياتهم، فقد أوصى المجاهد الأكبر فيدال كاسترو أن يحرق جسده، وأن يذرّى رماده لكي يشمّ الكوبيون آخر روائح جسد زعيمهم المُتألَّه، ويذوبون عشقا في أبخرة هذا الرجل الفذّ، وقد تحمل النساء من نسيم تلك الأبخرة، فيولد للكوبيين كاستروات آخرين، يملأون الدنيا أزهارا بعد أن امتلأت أشواكا !!!
وهكذا، يكون للبشرية متسع من الخيارات : إما العيش في كنف أهل ماركس والجماعة، أو العيش تحت نير الرأسمالية والبشاعة. ومن هرب من أيديولوجية ماركس، كوته الرأسمالية بمنجل حامٍ ومطرقة ملتهبة في مؤخرته. ومن هرب من أيديولوجية الرأسمالية التحررية، كوته الشيوعية بوضع رزمة من قطع الدولارات المعدنية المذابة على لسانه وسملت بالمعدن المصهور عينيه.
وتظل البشرية المسكينة هاربة مدى الدهر من بيت إلى بيت تبحث عن الأمن والأمان… تهرب طورا إلى معبد حيث تتعرض فيه لسلخ جلودها من طرف رجال المذهب والدين، وطورًا تهرب البشرية إلى جحيم ولو ستريت حيث تصهر أحشاؤها في آلة الرأسمالية المتوحشة، وطورا تهرب إلى الشيوعية، نوّارة الفكر البشري، فتسحقها تحت دواليب الدبابات وتفرم لحومها مع أتربة الفحم الحجري.
مسكينة هذه الإنسانية. كلّما بكت من ظالم، جاءها مفترس يواسيها ويمسح دموعها، ثم يغتصبها بكل برودة دم، قبل أن يمسحها من الوجود، ويجلس مطمئن البال يترقب الطريدة القادمة.
صفر 1438
كَلِمةٌ تَدْفَعُ ألَمًا وكَلِمةٌ تَصْنَعُ أمَلًا

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock