“بوكاسا” يخاف الشمس
لستُ ادرى مدى توفيق ما سأقوله، لان الامر يقعُ فيما فوق الخطاب المفهومي، وفيما وراء الخير والشر: ان تخرج الضحية من ظُلمة الزنزانة الي نور الفضاء العام وتتحدّث عن آلامها، تبكي، وتبتسمُ احيانا، بينما يبقى الجلاد والقاتل في الظُلمة، في كهف الخوف او الضغينة، عاجزا -في كل الاحوال- عن إظهار وجهه، هذا لعمرى انقلاب حاسم في علاقات القوة: لم تعد الضحية تخشى جلادها بينما هو يفرّ من وجه ضحيته ومن وجهه ايضا.
ان غياب اللقاء وجها لوجه، وانعدام الاعتراف وطلب الغفران قد حرم المؤسسة الامنية من “قتل” بوكاسا واخراجه من قلوب الامنيين، حرمها من ان تولد من جديد، لاننا في غياب الاعتراف سنواصل الارتياب في الامنيين واحتقارهم باعتبارهم اعداء. سوف يدفعهم استبطانهم لارتيابنا فيهم لاحد امرين: اما التساهل في تطبيق القانون درء للتهمة “البوكاسية” او اسرافا وتجاوزا للقانون بدافع الضغينة وهروبا الى الامام. في كلا الحالتين، عدم الاعتراف سوف يورث المؤسسة الامنية هشاشة لا مندوحة عنها. عدم الاعتراف سوف يجعل “بوكاسا” كابوسا يرعبُ الأمنيين ويعذّبهم، طالما غاب الاعتراف، ستظل الزوجة والام والبنت تسائل ابيها الامني عمّ يمكن ان يكون قد أتاه في مركز عمله،
اما الضحايا فقد انتصروا على “بوكاسا” ثلاث مرات، فمات في عيونهم وقلوبهم مرات ثلاثة: عندما عذّبهم، فصمدوا فكانت تلك ميتته الاولى كانسان، ثم لما واجهوه من 17 الي 14، فهرب هو واحتلوا هم الشارع، وكانت تلك ميتته الثانية كضابط، ثم لما فرّ من وجوههم ولم يعترف، وكانت تلك ميتته الثالثة ككابوس. ان الظهور والاعتراف يحتاج قوة وشجاعة ومواجهة للذات قبل الآخرين، وبوكاسا مهزوم وضعيف. ملاحظة: بربي كلام الكرارطيّة راني ما نحباش: بن سدرين وبريمر والعراق… انا نحكي في مستوى اخر.