… وأخيرا الحرية والعدل
نور الدين العويديدي
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه.. أخيرا أطلق سراح الدكتور سعيد الشبلي ورفاقه وعادوا لبيوتهم.. عادوا ليعيشوا الكثير من الأشياء الصغيرة الجميلة، التي حرموا منها لمدة أربعة أعوام و26 يوما، وهي مدة طويلة جدا..
عادوا ليعيشوا دفء الأسرة الذي حرموا منه.. وليشموا هواء نقيا بعيدا عن رطوبة الزنزانات.. ليروا الشمس والقمر.. ليمشوا أحرارا دون قيد.. والحمد لله أيضا ودائما أنهم خرجوا مرفوعي الرؤوس، لا بوصفهم قتلة، كما أراد أعداء الحرية أن يصوروهم، بل بوصفهم مناضلين استعادوا حقوقهم.
حملة
لقد عبأت قضية الدكتور سعيد ورفاقه قطاعا واسعا من الرأي العام التونسي. وكان للعالم الأزرق دور كبير في توعية الرأي العام بالمظلمة القاسية الطويلة، التي سلطت عليهم.. وكان لعدد من الشباب والكهول المناضلين فضل تحريك هذه القضية في حملة استمرت أسابيع متواصلة..
الفضل الأكبر كان للمحامين الذين تعبوا وجدّوا وبحثوا القضية من مختلف أطرافها وتفاصيلها، وقدموا مرافعات رائعة، بينت الحقيقة وجلتها أمام أنظار القضاة، فحكموا بالبراءة على المتهمين، وبالسجن على شهود الزور، دون أن ننسى الشباب والكهول، الذين رابطوا طيلة أيام المحاكمة في سوسة لساعات طوال، وكانوا يمدوننا بالمعلومات والشهادات أولا بأول، ومنهم، على سبيل الذكر لا الحصر، الشاب المناضل مالك مسلم، الذي كانت صفحته قبلة المتابعين.
عقول
بعض الناس ممن اختاروا أن يغيبوا عقولهم عن إصرار وترصد وتعمد واضح فاضح، يتهمون القضاة بالإصغاء للتدخلات والإملاءات الخارجية. ولو كان القضاة قد أصغوا لتلك التدخلات لحكموا باطلا على الدكتور سعيد الشبلي ورفاقه بالإدانة.
ورأيت البعض يقول إن هذا هو قضاء البحيري، إشارة للقيادي في حركة النهضة الأستاذ نور الدين البحيري، في حين قال آخرون إن الشيخ راشد الغنوشي قد يكون تدخل لدى القضاة ليحكموا بالبراءة..
وأقول إن هؤلاء بصراحة يتعمدون تغييب عقولهم، ويطلقون العنان لهواهم، محض هواهم العاري. فكيف للبحيري أن يطلق سراح المجموعة، وهو بعيد عن الحكم، في حين سجنوا لما كان وزيرا للعدل؟.. فمن يتدخل في القضاء يتدخل وهو في كرسي السلطة لا وهو خارجها.. ولكنك تجد من يصدق كذبة أن التدخلات هي التي أخرجت الجماعة من السجن للحرية.
شهود الزور
أعظم من الحكم بالبراءة كان الحكم بإدانة شهود الزور، فشهود الزور هم الذين ظللوا القضاء طيلة هذه الفترة.. ولعل من أهم شهود الزور، الذين لم تشملهم الإدانة بشكل مباشر، وشملتهم بشكل غير مباشر، بتسفيه تقريرهم واعتباره كأن لم يكن، الأطباء الذين أعدوا تقريرا كاذبا عن حالة الراحل لطفي نقض، هي التي بررت بقاء الدكتور سعيد الشبلي ورفاقه كل هذه المدة في الاعتقال.
والأطباء الذين شهدوا زورا وغيروا الحقائق، إن أفلتوا من قضاء الدنيا القاصر دائما قصور البشر، فلن يفلتوا من قضاء يوم الدين، حيث الأدلة والإثباتات لا تقبل الدحض، فالله ربهم وهو مطلع على ما في صدورهم، ولن يستطيعوا غشه كما غشوا القضاء لأربع سنوات.
“نور الثورة مازال حي”
لم يكن للقضاة الشرفاء أن يحكموا بالبراءة للدكتور سعيد ورفاقه، ولا أن يحكموا بالسجن على شهود الزور الفاسدين المفسدين، الذين ضللوا القضاء، إلا بفضل الثورة. فالثورة أرجعت القاضي إلى ضميره وأرجعت الضمير إلى القاضي، والثورة جعلت القاضي يحكم ضميره وهو مطمئن إلى أن الحق أحق أن يتبع.
وقد كان القضاة قبل الثورة، ومازال بعضهم للأسف، ينتظرون التعليمات ويحكمون في ضوئها. وجاءت الثورة المباركة لتحررهم من ذلك، وتجعل ضمائرهم ودلائل الإدانة أو البراءة هي التي تقودهم.. وهذا يكشف للمزايدين أن الثورة لم تمت.. وأن نورها مازال حيا في قلوب الشعب وضمائر أبنائه، بمن فيهم القضاة.. فثورة تحقق أهدافها بالتدريج هي ثورة حية.