الذكرى 5 للانتخابات التأسيسية.. الدرجة الصفر من “العقيدة”..
الحبيب بوعجيلة
(شبه نقد تأسيسي)
اليوم 23 أكتوبر 2016 تكون قد مرت 5 سنوات على انتخابات المجلس الوطني التاسيسي. على امتداد سنوات خمسة شهدت البلاد هزات عنيفة واستقطابات صاخبة ومعارك متنوعة وصلت الى حدود الدم الفاجع وانتهت بانتخابات 2014 التي أعادت بشكل أو بآخر جزء من القديم المتحول المتشارك في الحكم اليوم مع جزء من جديد متغير. في معارضة هذا التشكيل الحاكم أطياف أخرى من قديم وجديد ايضا تتباين قراءتهم لمخرجات 17 – 14 وطيف واسع من فئات شعبية ونُخب ونُشطاء تتوزع مشاعرهم لمجريات الأمور بين التفاؤل والتشاؤم وبين ملامسة الحقيقة النسبية وتكرار الخطأ المتنكر.
على مستوى ذاتي الشخصية استطيع الزعم الآن بأني أعيش قدرا من برودة العقل تسمح لي بمواصلة البحث عن الحقيقة المركبة بنسبية متواضعة بعيدا عن أوهام امتلاكها ولكن بادعاء معقول بالقدرة على ملامستها دون زعم تملكها المطلق.
أستطيع حسم أمري بأن الترويكا الحاكمة من أوائل 2012 الى أوائل 2014 لم تكن “قيادة ثورية” في الرؤية والتصور والاستشراف والممارسة بقطع النظر عن مزاعم الأحزاب الثلاثة وقياداتها وبقطع النظر عن رغبات أنصارها والمتعاطفين معها وداعميها في بداية حكمها (وأنا منهم).
التاريخ كان يحتاج قراءة نقدية عميقة من الفاعلين الرئيسيين في هذه الفترة ولكننا لم نعثر على هذه القراءة رغم بعض الشذرات من النقد الذاتي التي لا ترقى الى مستوى التقييم الشامل الذي حاولته في مقالات متفرقة لم تجد طبعا من يعيرها أهمية لازمة لأسباب عديدة نتفهمها.
يمكن كذلك أن اجزم بأن “جبهة الانقاذ” بأذرعها السياسية من يسار ووسط وتجمعيين لم تستطع الى حد الآن اقناعي بأنها كانت شيئا آخر إلا تحالف دفاع على المنظومة القديمة بين يسار كف عن أن يكون يسارا وديمقراطيين ساهموا في انقاذ منظومة متشظية من بقايا المستبدين والفاسدين. الأزمة الحالية التي تعيشها البلاد تمنحني قدرا مهما من الرضى على النفس في اقرار هذا الجزم بقطع النظر على حدود الترويكا التي ذكرتها أعلاه.
هذا الحسم والجزم كنتيجة للتجربة العملية البناءة يمنحان فكري قدرا من الوضوح ليصلح أخطاءه بعيدا عن “العقائد والأحكام المسبقة”.
ان الاستخلاص الاساسي ان حدث 17 – 14 كان لحظة فارقة تظافرت في صنعها وتبذيرها عوامل عديدة:
– أولها ترهل منظومة تصدعت واستنفذت اغراضها و لن تعود مهما حاولت رسكلة نفسها باستمرار.
– وثانيها أن طبقة سياسية كاملة بشخوصها وايديولوجياتها التقليدية وأشكال تنظمها القديمة يحب أن تغيب بعد أن لم تتمكن من مجاراة هذا الحدث فضيعت زخما شعبيا عفويا كان يحتاج بلورة عوض أن يتحول الى شتات متناحر.
– وثالثها أن هذا الحدث العظيم لا يستطيع الذهاب الى مخرجاته الشعبية والوطنية ما لم تحصنه رؤية مركبة وجديدة في جدته وعظمته قادرة على حمايته من مؤامرات ترتع في ساحات قُطرية بلا سيادة في العصر المعولم.
استخلاصات ثلاثة تحتاج من يبلورها ويُفعلها في تيار وطني كبير أشعر باطمئنان بعيد عن التفاؤل أو التشاؤم أن عهده لم يحن بعد.. وان سنوات أخرى من التيه الضروري في العقائد والأوهام لازمة لخلق صُناع هذا التيار.