التوافق بديلا عن الكتلة التّاريخيّة
عوض تطوير مناخات التّوافق السياسي بتوسيعه وتقويته وحمايته وترشيده وتصحيحه وتصويبه وتحسين شروطه لتكون عادلة منصفة وتجييرها لتحقيق المصلحة الوطنيّة ومزيد توفير ضمانات نجاح الانتقال الديمقراطي وتحقيق أهداف الثّورة، يسعى بعض ضيّقي النّظر لاستهداف هذا المسار التوافقي عبر إثارة مناخات الشكّ والرّيبة والشبهة وفبركة الأخبار التي تعبّر عن أمنيات عدميّة متهافتة لا أفق لها…
لا زال البعض يتصوّر أنّ التوافقات قائمة على الوزن الانتخابي “وهذا صحيح نسبيّا عند بداية تأسيس التوافق” وأنّ مجرّد تغيير المعادلة العددية كفيل بتغيير التوازنات السياسيّة، غير أنّ المسألة ليست بهذه البساطة والسطحيّة في التحليل، حيث تتعلّق أكثر بالأوضاع الدّاخليّة للأحزاب ومدى استقرارها وما توفّره داخليّا وخارجيّا من معطيات موضوعيّة تجعلها محلّ ثقة في ضمان الاستقرار السياسي وتواصل مؤسّسات الدّولة في مواجهة التفكّك والتّفكيك…
عدا ذلك كلّ النّقد الذي يمكن أن يوجّه لتقييم حصيلة تجربة التوافق وإخفاقاتها وقصورها وانحرافاتها فهو مشروع ومطلوب بل من الأكيد والعاجل ممارسة كلّ الضّغوط المدنيّة السلميّة على مكوّنات هذا التّوافق للمضيّ قدما من أجل تنفيذ تعهّداتهم أمام الشّعب خاصّة وقد وقع تثبيتها في وثيقة توافقيّة ممضاة من أوسع الطيف السياسي والجمعياتي.
وإن كان هناك يائسون قانطون من هذا التوافق بشكل كليّ فليكن توافق بتوافق… توافق معارضة مقابل توافق حكم في تدافع مدنيّ سياسيّ يكون فيه البقاء للأصلح الأقوى عبر الاختيار الشعبي أو يفضي في أدنى الأحوال إلى الدّفع من أجل التصحيح والإصلاح…
ما عدا ذلك فهو عودة من جديد لسرديّة التغيير الجذري عبر العنف الثوري تحت عنوان “الشّوارع والصّدام…” والتنافي بين أصحاب الدّم الأحمر والدّم الأسود والتنازع على هويّة التقويم الزّمني.