تدوينات تونسية

انتصار الدم على السيف/الحسين اليوم في حلب…

بلغيث عون
هل أن سلاح الجو الروسي والنظامي هو من سيفرض المعادلات في حلب وسوريا أم أن ثمة أكثر من لاعب؟ لا أتحدث عن لاعب دولي ولا إقليمي، لا أمريكي ولا تركي ولا عربي إلا من الدرجة الثانية. اللاعب من الدرجة الأولى هو الشعب السوري، أطفال حلب ونساؤها ومقاتلوها. كل ما سواه يبدو أنهم يعدلون استراتيجياتهم بحسب كميات الدم التي تسفك لا غير وأثرها على صورتهم ومن ثمة مصالحهم. أصبح يبدو بوضوح أن حلب لن تسقط بعد إذن الله طبعا، وأنها هي من يحرك الديبلوماسيات العالمية لا من ينصاع لها. وللأسف فإن الحسين يبدو أنه اليوم في حلب لا في كربلاء وأن المعادلة الحقيقية التي رواها بدمه الشريف تصدق اليوم في حلب وفي حلب وسوريا وحدها: انتصار الدم على السيف.
علينا أن نفرق مفهوميا بين أمور متشابهة: إن الحرب بواسطة سلاح الجو وحتى الدبابات تملك أن تحتل بلدا لكنها لا تملك أن تسيطر عليه. الإحتلال ليس السيطرة: الإحتلال هيمنة على الجدران والشوارع أما السيطرة فهيمنة على المستهدفين من الإحتلال وهم البشر. يظل هامش الحركة والمناورة قائما إذا كان القرار بمواصلة الحرب قائما أي الإرادة وكانت الحدود الضرورية من أدوات الحرب حاصلة.
الآية العجيبة كانت في الحرب العالمية الثانية آية ستالينغراد. أحكم الجيش النازي قبضته على المدينة بواسطة سلاح الجو ثم الدبابات بعد الهجوم الذي بدأ في صائفة 1942. أصبحت ستالينغراد تحت الإحتلال بحسب المقاييس الحربية. غير أن سلاح الجو تماما كما سلاح الدبابات لم ينجح في السيطرة على ستالينغراد، والسبب البسيط أن جيب مقاومة وحيد غرب الفولغا هو آخر خط دفاعي لم يكن ممكنا إخضاعه إلا بأن تتحول الحرب إلى حرب شوارع. استأنفت منه الهجومات المعاكسة على القوات الألمانية وتورط الجيش الألماني في حرب الشوارع والبيوت حتى أنهك، ومع حلول الشتاء زادت أزمة الألمان المعروفة في العدة والعتاد. انقلبت الحرب وحاصر السوفييات زهاء الـ 300000 من الجيش الألماني.
في سوريا وفي حلب كل شروط المقاومة قائمة لوقت غير محدود: الإرادة التي لا نقاش حولها (والتي يزيدها سعيرا أنه لا يبدو ثمة في سوريا من يخير الوقوع تحت سلطة حزب البعث الذي قتل في السجن فقط 18000 سجين جوعا وبردا وتعذيبا دون عدم المصرح به؛ الموت بالنسبة للسوريين في ميادين القتال بالرصاص والموت قصفا وجوعا أفضل من العودة إلى سلطة النظام)؛ السلاح الذي لا يعلم الكثيرون أنه لا يأتي فقط مما غنمه المقاتلون وهو غير يسير بل من التجارة السهلة جدا مع مافيات داخل النظام نفسه تكدس المال وتتعامل مع المعارضة ومع الجميع. بعد ذلك فإن النظام وحلفاءه يجب أن يعولوا على “رجولتهم” في القتال رجلا لرجل من بيت إلى بيت، وهاهنا لا وجه للمقارنة بين المقاتلين المندفعين للموت وبين جنود النظام الذين رأيناهم ينالون الشتائم وحتى بعض النيران الصديقة من حزب الله في معركة فك الحصار قبل أسابيع لفرارهم من المعركة.
الروس والنظام يعلمون تماما أن الوقوع في مواجهة مباشرة مع المعارضة لا جدوى منه ويتجنبون بكل الوسائل الوصول إلى ذلك الحد. ذلك ما نفهمه من كون التحرك البري الوحيد الذي يحرزونه هنا لا يكون إلا بعد مسح شامل للأرض بالطائرات الحربية والقنابل الفوسفورية والعنقودية فلا يتقدمون إلا على زرابي مبثوثة (بعض التقارير العسكرية تقول أن جيش النظام لم يخض حربا فعلية مقاتلا لمقاتل منذ 2012 وكل الحرب القائمة طائرات تعبد الطريق و”جيش” يتقدم على الأرض المعبدة… عار). الأمريكان من جهتهم يعلمون أن الحل الوحيد للسيطرة على المعارضة هو الكنس الشامل للأرض. كان الأمريكان يرجون في الإتفاق الأخير مع الروس إيجاد سبيل للقضاء على “الإرهابيين” وتفويض الروس لذلك دون تورط فاضح في جرائم حرب مكشوفة ضد المدنيين، لكن الروس فشلوا في الإختبار لتطال الفضيحة الجميع: حرب إبادة المدنيين التي ليس لأمريكا ولا للغرب أي مصلحة فيها بل العكس لا داخليا ولا خارجيا: تنمية الإرهاب وغيرها من النتائج الكارثية..
تراجع الأمريكان عن المشاورات مع الروس والتحرك الدولي الذي بدأ يفرض نفسه ومعالمه غير واضحة ثم شعور الروس بالورطة والركوض لمواصلة المفاوضات، كل تلك مؤشرات على أن حلب تفرض معادلاتها، لكن حلب ليست أكثر من الصبر والشهامة والرجولة والدم المسفوك والحسين الحقيقي يولد هاهنا ليفرض بالدم ما لم يملك السيف أن يفرضه.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock