نحتاج هدنة شاملة توقف الاحتراب الأهلي الصامت
زهير إسماعيل
استمعتُ إلى رئيس الجمهوريّة في خطاب إعلان الطوارئ. ولعلّ أهمّ استنتاج خرجتُ به هو حجم الإجرام الذي اقترفه القديم العائد ومن ساعده على العودة إلى رأس الدولة.
هل كنّا في حاجة إلى كلّ هذا الوقت وكلّ هذا الدمار الاقتصادي وكلّ هذا التفتيت الاجتماعي وكلّ هذا الضعف الذي عليه أجهزة الدولة، لكي يقتنع هؤلاء ويرددوا ما كنّا نقوله منذ أربع سنوات:
- بأنّ المرحلة صعبة تستدعي تكاتف كلّ الجهود وأنّه لا معنى لحكم ومعارضة في مرحلة التأسيس.
- بأنّ الإرهاب ليس وليد السياق الثوري وإنّما هو سابق للثورة ومستمرّ بهدها، وأنّه من السقوط الأخلاقي اتّهامُ خصومنا وشركائنا في الوطن ومن كانوا عماد مقاومة الاستبداد بالتقاطع مع الإرهاب وبغياب الجديّة في مكافحته والضلوع معه أحيانا.
- بأنّه لا توجد عصا سحريّة لحلّ المشاكل الاجتماعيّة، وأنّ المطلوب هو الشروع في مقاربتها بالإمكانيات المتاحة وحسب الحاجات والأولويّات.
- بأنّنا نحتاج هدنة شاملة توقف الإحتراب الأهلي الصامت وتوسّع المشترك الوطني. وهي لا تتعارض مع المطالب الملحّة والمشروعة. ومازلنا نرى هذه الهدنة ضروريّة رغم أنّنا يوم طالبنا بها أُجبنا بلهجة إنكاريّة: وهل نحن في حرب حتّى تطالبوا بالهدنة؟
- بأنّ الوحدة الوطنيّة الحقيقيّة هي شرط الشروط في مكافحة الإرهاب.
بعد أن تسلّلوا إلى السلطة، في الشروط المعلومة، التحقوا بما كنّا نقول وتبنّوا وجهة نظرنا بألفاظها أحيانا. وسنقول اللحظة لهم كلاما سيلتحقون به متأخّرين مرّة أخرى وفي ظروف أخرى:
- إنّ الإرهاب والاستبداد/الفساد وجهان لحقيقة واحدة.
- لن يُقاوَم الإرهاب بالردود الانفعاليّة الظرفيّة، ومنها إعلان حالة الطوارئ، وإنّما باستراتيجيا وطنيّة تُبنى وتُفعَّل بمشاركة واسعة من قوى المجتمع والدولة.
- إنّ مطلب الشفافيّة في موضوع الثروات الوطنيّة مقدّمة أساسيّة في محاربة الفساد وإيقاف ما تعيشه الدولة من نزيف في مواردها. ولذلك فإنّ ما كان من محاولة للربط بين الإرهاب وحملة “وينو البترول”؟ هو من الأخطاء الفادحة التي وجب الاعتذار عنها أمام الشعب.
نقول لهم في الأخير:
إنّ أداءكم اليوم كشف عن ضعف أصيل وعن خلل هيكلي في الرؤية لم ينفع معهما تطاولكم في مرحلة التأسيس، بعد أن تحصلتم على صفة “معارضين”، وهي صفة ما كنتم لتبلغوها لولا شفاعة من كنتم شفيعه عند بن علي.
وإنّ سبب الخلل في تقديرنا هو أنّكم لم تتخلّصوا من منوال الاستبداد في مرحلة بلغ فيها الشعب شوطا مهمّا في تأسيس الاختيار الحرّ. وأنّ الدولة في ثقافتكم مؤسسة وظيفيّة أساسها قمع المخالفين وتحقيق المغنم.
وإنّ كلّ محاولة منكم للعودة بها إلى الوظيفة السابقة سيلاقي تصدّيا حازما منّا وسيعطي لتصنيفنا إيّاكم ضمن حلفاء الإرهاب الموضوعيين، وربّما الحقيقيين، مصداقيّةً. وتكونون بذلك قد ارتكبتم جرما مزدوجا:
- إجهاض عمليّة التأسيس الدستوري التي انطلقت مع انتخابات 2011.
- التسلل إلى السلطة في انتخابات 2015 لمنع إعادة بناء الدولة في أفق الانتفاض المواطني الاجتماعي.
تبدون نشازا في العمليّة السياسيّة بل خارجها، رغم وجودكم على رأس مؤسسات الدولة.