خطّة وطنيّة جامعة، تقاسم للأعباء
سامي براهم
من المسلّمات الشّائعة أنّ مواجهة الإرهاب من مهامّ وزارتي الدّاخليّة والدّفاع بشكل حصريّ، من يواجه إذا قصف العقول وغسيل الدّماغ وشحن الأنفس؟؟؟
تطّلع على برامج وزارة الثقافة التي يقع الإعلان عنها تباعا فلا تجد فيها ما يفيد أنّ هذه الوزارة ومنظوريها معنيّة بمواجهة الإرهاب إلا إذا كان المقصود بهذه البرامج تجميل وجه تونس وإعطاء انطباع أنّنا بلد الفرح الدّائم والمهرجانات حتّى مطلع الفجر رغم تهديدات الإرهاب، لا ندوات ولا برنامج ثقافي موجَّه لدعم الجهد الوطني في مواجهة الإرهاب.
نفس الأمر ينطبق على وزارة الشّؤون الدينية حيث اقتصر دورها على غلق المساجد الواقعة خارج السيطرة وعزل الأئمّة المشبوهين دون خطّة وطنيّة للتّأطير والتوجيه والتّكوين والتثقيف الديني الوسطي الذي يجيب عن أسئلة الشباب ويفنّد مقولات الإرهاب ودعاويه وفتاويه الداعية للتكفير والعنف والقتل.
لوزارة التربية دورها في إصلاح برامج التعليم بالشكل الذي يوفّر للتلاميذ الحصانة المنهجية والمناعة المعرفية والحسّ النقدي فلا يكونوا لقمة سائغة لخطاب الاستقطاب، الاعتناء بمحتوى مادّة التربية المدنيّة والإسلامية والتفكير الإسلامي وإثرائها بمضامين متينة وكذلك برنامج الأدب والحضارة والفلسفة.
وزارة التعليم العالي و البحث العلمي خاصّة في مجال الإنسانيات لم تنخرط بعد بقوّة في تشخيص وتشريح ظاهرة الإرهاب ومرجعياتها وأسبابها وأهدافها وخططها والفاعلين فيها واستشراف مستقبلها و سبل مواجهتها، كم رسالة ماجستير أو دكتوراه مسجلة في هذا السياق ؟
وزارة المرأة معنيّة هي كذلك بتحفيز الأسرة و النّساء على وجه الخصوص لرعاية أبنائهم نفسيا وعاطفيا وتأطيرهم ورقابتهم لوقايتهم من السّقوط في حبائل الاستقطاب العدمي، كم من ندوة أو دورة تكوين وتثقيف وتوجيه عقدت في هذا الشَّأْن ؟ هل هناك برنامج للإرشاد الأُسَري طويل المدى في هذا الاتجاه ؟
وزارة الشّباب والرياضة لها دور طلائعيّ متقدّم من خلال مؤسساتها وهيئاتها التي تباشر علاقة ممتدّة مع الشباب، أي برنامج مدروس ومنظّم لتأطير الشباب في هذا السياق ووقايته وحمايته ؟
وزارة العدل بالإضافة لمهامها التقليدية مطالبة بشكل بضبط برنامج جديّ وفعّال ومدروس من ذرف مختصين لإصلاح السّجون حتّى تكون فعلا فضاءات للإصلاح و التّأهيل من خلال إعادة التّأطير والتكوين والإدماج.
طبعا دون إغفال الدّور الاستراتيجي للوزارات المعنية بالتنمية والتشغيل والمجالات الاقتصاديّة والاستثمار المعنية بتقليص دوائر التهميش والحرمان التي يستثمر فيها الإرهاب ويتغذّى منها.
لكلّ وزارة دور وجزء من الأعباء يجب أن تتحمّلها في الجهد الوطني لمكافحة هذه الآفة الذي يحب أن يقوم على تقاسم الأعباء بين مؤسسات الدولة و المجتمع السياسي والمجتمع المدني و عموم المواطنين.
بهذا الشكل تتحمّل المؤسسة الأمنيّة والعسكريّة العبء الذي يتناسب مع مهامها وحجمها ولا يقع إثقال كاهلها بمهام وطنيّة يحب أن تتقاسمها مع شركائها في الوطن حتّى يتّم جهدها بالمردوديّة و النّجاعة.
هذا يتطلّب خطّة شاملة توحّد جهود التونسيين حول رؤية وطنيّة جامعة لمكافحة هذه الآفة التي تهدِّد المشروع الوطني برمّته.