تدوينات تونسية

يوم عسير على تونس

صالح التيزاوي

ليست العمليّة الإرهابيّة الأولى التي تستهدف تونس ونسأل اللّه أن تكون الأخيرة.. وليست تونس البلد الوحيد الذي غدر به الإرهاب، فأعتى الدّول المحصّنة أمنيّا ليست بمنأى عن العمليّات الإرهابيّة، ولا نريد أن نتعايش مع هكذا عمليّات غادرة كما يروّج البعض… ولا نرضى بغير الحرّيّة قدرا لنا…
تونس التي خرج أبناؤها ذات صباح في بنقردان، يلاحقون كتائب الإرهاب التي أراد حفتر الإمارات والسّعوديّة تصديرها إلى تونس، جنبا إلى جنب مع قوّات الأمن والجيش، ستبقى عصيّة عن الإرهاب رغم ما يدبّره لها رعاة الإرهاب الذين فرّخوا جحافل السّلفيّة المظلمة وتكفّلوا بتصديرها إلى الوطن العربي لتثبيت أركان النّظم الإستبداديّة ومواجهة قيم الحرّيّة والحداثة الحقيقيّة.. لم يفهموا بعد أنّ تاريخ تونس أعمق من أبراجهم المستوردة.. وأنّ تونس التي كانت منطلق الفتح الإسلامي باتّجاه الأندلس حاملا معه قيم الحرّيّة والتّحرّر، هي اليوم منطلق الثّورات العربيّة.. وملهمة الشْعوب التّوّاقة إلى الحرّيّة.
ليس من السّهل على الشّعب التّونسي بعد أن ذاق طعم الحرّيّة أن يستسلم إلى حفنة من القتلة والمجرمين الذين تحركهم بعض نظم العهر العربيّة المتّحدة على مواجهة قيم الحرّيّة خوفا على عروشهم وعلى كروشهم وعلى مصائرهم..
ثلاث عمليّات متزامنة في حرّ الصّيف وفي ساعات الذروة، كان الهدف منها إلحاق أكبر قدر من الأذى بالتّونسيين، لا فرق بين أمني وعسكري ومدني لأنّ ثلاثتهم أنجزوا ملحمة بن قردان.. وقد أدرك الإرهابيّون ورعاتهم الرّسميّون الذين قتّلوا الشّعب اليمني وخرّبوا سوريا وأشاعوا الفوضى في ليبيا ودبّروا الإنقلاب العسكري في مصر، ثمّ ذهبوا إلى مؤتمر المنامة لبيع القضيّة الفلسطينيّة.. لقد أدرك هؤلاء جميعا أن تونس مختلفة عمّا عرفوا من الأوطان التي خرّبوها وجعلوا أهلها شيعا، لا يمكن أن يحظى الإرهاب فيها بحاضنة شعبيّة كما في غيرها. وهذا ما زاد في غيضهم وأشعرهم بعجزهم وقلّة حيلتهم، فمرّوا إلى السّرعة القصوى مستهدفين أمن تونس واستقرارها وخاصّة الإستحقاق الإنتخابي القادم، إمّا تعطيلا أو تأجيلا أو انقلابا كما خطّطوا من قبل وباءت كلّ خططهم بالفشل.. وقد أعاد “نيكولا بو” بعد أن برّأته المحاكم الفرنسيّة من الشّكوى الكيديّة المرفوعة ضدّه، أعاد اتّهام رأسي الثّورة المضادّة (السّعوديّة والإمارات) بالتّخطيط للإنقلاب على المشهد السّياسي في تونس.
هذا البلد الصّغير أعجز بلدان “البترودولار” فقد أسقط خططهم، الواحدة تلو الأخرى، ومازالت ثورته تقضّ مضاجعهم وتزرع في قلوبهم الخوف والهلع من أن تحلّ الموجات الثّوريّة قريبا من ديارهم وتدكّ حصونهم التي أرادوها عصيّة عن الحرّيّة والدّيمقراطيّة، هؤلاء الأوباش من العربان يريدون بكلّ الطّرق غلق قوس الرّبيع العربي في تونس التي كانت مبتدأه ولن تكون منتهاه… لقد اختاروا هذا التّوقيت تزامنا مع ما يروّج عن الحالة الصّحّيّة لرئيس الجمهوريّة وقبل الموعد الإنتخابي بأشهر قليلة لإرباك المسار الإنتقالي في تونس، لأنّهم أصبحوا على قناعة أنّ نجاح تونس في الإستحقاق الإنتخابي القادم سيجعل منها تجربة رائدة، عصيّة عن الإستئصال، وسيقطع الطّريق على كلابهم الذين مازالت تراودهم أوهام العودة إلى الماضي البغيض. وإن نجحت تونس في الإستحقاق الإنتخابي القادم،فلن يأمن رأسا الثّورة المضادّة ومحور الشّرّ العربي، عدوى انتقالها وانتشارها، خاصّة بعد الحراك المجتمعي السّلمي في الجزائر وفي السّودان.. فالمستهدف إذا المحطّة الإنتخابيّة القادمة أوّلا والمسار الدّيمقراطي ثانيا.
يوم عسير مرّ بأخفّ الأضرار وإن خلّف حرقة ولوعة على من استشهد وعلى من أصيب، ولا عزاء لرعاة الثّورة المضادّة ولكلابهم من تجّار الدّم الذين لن يتوقّفوا عن النّباح وعن تشكيك التّونسيين في ثورتهم وفي مكاسبها ولن يتوقّفوا عن اتْهام الأبرياء والتّشكيك في وطنيّتهم وفي تونسيّتهم، وسيتجاهلون حقيقة أنّ الإرهاب يستهدف قطع الطّريق على استكمال مراحل البناء الدّيمقراطي وأنّه صناعة مخابراتيّة عالميّة، ليبحثوا عن تفسيرات على هواهم تغطّي على خيانتهم للثّورة وقيمها وعلى عمق نذالتهم في خدمة أجندات أجنبيّة..

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock