الإثنين 13 أكتوبر 2025
سليم حكيمي
سليم حكيمي

انتصار غَزة وهزيمة الأمّة

سليم حكيمي

الاحتلال يولّد العنف، فكان 7 أكتوبر… وضعت الحرب أوزارها، بعد غضبة الشّعوب الغربية. وظلّ الحَمساوي مُنتضيا سيفه. ومالم يستطع الكيان فعله سنة 1948، اقترفه في الإبادة. في مأساة اكبر من اللغة، مَحى 2700 عائلة من السجلّ المدني، كما أبادت فرنسا في 10 بالمائة من الجزائريين في حرب التحرير.

لم تقبل المقاومة في واشنطن إلا على وقف الحرب، والانسحاب وتبادل الأسرى والمساعدات، وإعادة الإعمار. ولم ترض بنزع السلاح إلا لسلطة فلسطينية وطنية. سلمت المقاومة سلاحها سابقا في لبنان، فكانت مجازر صبرا وشاتيلا سبتمبر 1982. قال السّفير الأمريكي “تشاز فريمن”: “قد تخسر حماس هذه المعركة، ولكنها في النهاية ستكسب الحرب”.

عناصر من شرطة غزة
عناصر من شرطة غزة

فالحرب ليست فقط المواجهة العسكرية بل جَماع الموقف العالمي الذي تبلور إبّان المواجهة. فالانتصار المادي التدميري ولّد هزيمة معنوية، والنصر التكتيكي ينتهي بهزيمة استراتيجية تتأذّن بخرابها. عندما تصرخ ناشطة ألمانية بحروف عربية: ” أبو عبيدة يا حبيب، دَمّر دمّر تل أبيب”، وتبتهج أمريكية بتدمير ميركافا “حلّل يا دويري”، فان الالتحام بالقضية تجاوز التعاطف الى مساس الجوهر الإنساني المكلوم. أنشأ طوفان الأقصى فتوحات في الوعي الغربي أثمرت طوفانا بشريا عارما من كل الأجيال في عواصم غربية مسيحية يهودية، أي ممن كانت له فكرة شائهة عن الفلسطينيين، وصارت فلسطين أولوية. نقطة صغيرة غيّرت وعي العالم بحقيقة الصهيونية، وثقّفته سياسيا وحررته من السردية الإسرائيلية المضللة، وفضحت أزمة الديمقراطية الغربية. فلم تعد الحداثة تعرف ذاتها إلا بدعم القضية.

في الضفة الأخرى من القَرف، منعت حكومات عربية مسلمة، حكومات المَأسدة ضد الشعوب، والمَرنَبة إزاء الأجنبي، التظاهر وراقبت الشعارات في لحظة استخذاء عبد آبق مارق، انحطّ في مهاوي الضّعة والهوان. وظل غثاء السيل أصحّ وصْم لاستبداد عربي آسن اضغن على غزة وتربّص بها الدوائر. فكانت ثماره وعيا شعبيا ظرفيا يطفو فيه ما هو سياسي مصيري على السطح، ثم ما يلبث أن يرسو في قعر التجاهل، يضعُف تجاه القضايا الكبرى، فلم يرقَ موقفها الى مستوى المقاطعة. إذ أنّ تجريم السياسة في المنطقة ظل ثاويا في الوجدان العربي، وجعل الموقف الشعبي من الصهيونية كأنه معارضة لنظام الحكم ذاته.

ما حدث ضَرْب من تسارع التاريخ للقضية. يتطور الوعي في الغرب للمطالبة بمحاكمة القتلة عن جرائم الإبادة، كما وقع في محكمة نُورنبِرغ بعد الحرب العالمية الثانية، إذ تبيّن أنّ 31 بالمائة من سلاح الإبادة أمريكي وإيطالي ومصدره ألمانيا التي رُفعت عليها قضايا في المحكمة الجنائية الدولية. ثُلة مُرابطة ادّرعت بالأرض، ظلت ثابتة القوّة، لم يَتحيَّفها عدوُُّ، ولا كانت له بهم كرَّة رغم تعدّد أساطيله بالمَدَدِ. واعتصمت بالله، الذي كتب لهم من الأرض بوعد الصدق، دوخت الالة الصهيونية وقدّمت درسا في حدود القوة. وهذا ما سيجعل الحرب القادمة أَشد وطأة على الإسلام عقيدة وشريعة لتجريده من جوهره. فقد تجدّدت المنازلة معه وعاد به النّصر. انتصر الجزء بالإسلام وانهزم الكل بغيره. وعندما تنشر المقاومة 7 آلاف جندي لحفظ الأمن بعد الانسحاب يعني أنها مستأمنة على الإنسان والعمران.. حركة الصَّولة والدّولة.


اكتشاف المزيد من تدوينات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً

سليم حكيمي

اللاّئكية الماكرونية: طلب الدّعاء لولاّة الأمور فرنسا في صَلاة الجمعة

سليم حكيمي في رسالة تذكّر بقول المتنبي: “وَمثلُك يُؤتى من بلاد بعيدة ~ليُضحِكَ ربّات الحِداد …

سليم حكيمي

تجار الدين: إقالة وزير الحج والعمرة في تونس

سليم حكيمي سِلْفي selfie الوزير، بعد سنوات الطّواف بين 7 نوفمبر و 25 جويلية، مع …

اترك تعليق