بسام بوننّي
ودعك من أمريكا فنحن نولد بفطرة معارضتها …
ودعك من بريطانيا وفرنسا فنحن نولد بفطرة الاشمئزاز من تاريخيهما الاستعماري الذي لم ولن ينتهي …
لكن، لألمانيا مكان خاصّ في مزبلة التاريخ …

بعد أسبوعين من استقالتي من بي بي سي احتجاجا على تغطيتها المشينة لحرب الإبادة على غزة، اتهمتني صحيفة “تاز” الألمانية بأنّني داعم لحمـاس، دليلها في ذلك أنّي لم أقدم على حسابي الشخصي على موقع تويتر على إدانة هجمات السابع من أكتوبر، بل وذهبت إلى حدّ الزج باسمي إلى قائمة الصحفيين الذين أخضعتهم بي بي سي للتحقيق على خلفية تفاعلاتهم على شبكات التواصل الاجتماعي، وهي تهمة سخيفة تُدين بي بي سي لا الصحفيين …
لم تكن تلك الحادثة سوى مجرّد أمر عابر، أمام المواقف الألمانية المخزية. فسرعان عدّلت ولاية ولاية ساكسونيا – أنهالت شروط الحصول على الجنسيّة، بربطه بضرورة التوقيع على تعهّد سخيف، نصّه: “أعترف صراحة بأنّ لألمانيا مسؤوليّة خاصّة تجاه دولة إسرائيل وأعترف بحقّ إسرائيل في الوجود. كما أدين كلّ أشكال اللاسامية. ولا أسعى ولم يحدث أن سعيت إلى إنكار حقّ دولة إسرائيل في الوجود.”
وتزعّم صحفيّون ألمان شتّى صنوف تبرير الجرائم الإسرائيليّة، من ذلك أنّ رئيس تحرير صحيفة “بيلد” لشؤون السّياسات الأمنيّة والنّزاعات، جوليان روبكه، كتب، غداة، قتل الكيان مراسلة قناة “الميادين” اللّبنانيّة، فرح عمر، وزميلها المصوّر، ربيع معماري، إنّهما “قد يكونا برفقة حزب الله في هجوم على إسرائيل باسم إيران”، حين قصفت قوّات الاحتلال موقعهما.
ويضيف المترجم المصريّ، سمير جريس، مسمارا آخر في نعش ألمانيا، حين ينقل إلينا مقالا حقيرا صدر بصحيفة “دي تسايت” يُبرّر قتل العرب بل ويُحرّض عليه، جاء فيه بالخصوص: “ذهب إسرائيلي إلى الطبيب، وقال له: “دكتور، لقد أمضيتُ للتو أربعين يومًا مع فرقتي العسكرية في غزة، وقد سئمتُ من إطلاق النار على العرب. ماذا أفعل؟” أجاب الطبيب: “بالطبع، يمكنك التوقف فورًا إن شئت، لكنني لا أنصحك بذلك. حتى بعد جلسات العلاج.”
أذكر جيّدا كيف أنّ المستشار الألمانيّ الّسابق، أولاف شولتز، كتب، بداية العام الجاري، عن وقف إطلاق النّار، فقال: “وبعد أشهر عديدة من المفاوضات المضنية، يبدو أن التوصل إلى اتفاق أصبح في متناول اليد. ونحن ندرك مدى الألم الذي يخلفه أي اتفاق مع منظمة حماس الإرهابية على إسرائيل. ومع ذلك، فإن حياة الرهائن لابد وأن تكون على رأس الأولويات الآن.”
واليوم، وغدا – والواضح أنّ الألمان يحفرون أكثر كلّما بلغوا القاع -، على برلين أن تُفكّر جدّيّا في سنّ تشريع يُجرّم “تمجيد القانون الدوليّ أو مجرّد الإشارة إليه”، وهي السبّاقة إلى مثل هذه التّشريعات، أسجّل من بينها، للذّكر لا الحصر، قانون تجريم حملات المقاطعة، الصّادر سنة 2019.
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.