الأحد 4 مايو 2025
نور الدين الغيلوفي
نور الدين الغيلوفي

علي العريّض، صباح الخير

نور الدين الغيلوفي

أعلم أنّه لا معنى لتعاطف أحد معك كما لا معنى لشماتة شامت فيك.
أنت أكبر من التعاطف، ولا أظنّك ارتكبت في حقّ أحد ما عليه تستحقّ شماتة من أحد.

علي العريض
علي العريض رئيس الحكومة الأسبق

أرى فيك رجلا مسالما خَدوما لوطنه محبّا لأمّته وديعا جَلْدا مصابرا، كأنّك تصرّ على ترجمة سير الذين رضيت عنهم في قرآن ربّك.
لمّا كنتَ وزيرا للداخليّة لم يكن صوتك يخرج عن همسك. كنت صارما مع جهة واحدة هي تلك التي تدان، اليوم، بها.
لا أزال أذكر ما كنّا نتابعه من تحصّن مجموعة من الإرهابيّين بجامع الفتح حول زعيم لهم.. ولم أنسَ من حديثه عنك قوله فيك
“سيّء الذكر علي العريّض”.
تلك الجهة التي ناصبتك العداء وأحرجتك حاكمًا حتّى أخرجتك من الحكم هي ذاتها التي يُحكم عليك فيها ببقيّة عمرك الافتراضي.. كما لو أنّها هي التي تحكم عليك انتقاما منك.
وربّما يحتاج السجّان، بعد موتك بين يديه، إلى أن يحتفظ بك لديه لتمام المدّة التي صرّح بها حكما عليك لعلّ غليله أن يُشفى،
ولا أظنّه يُشفى..
وهل يُشفى مَن روحُه العلّةُ؟
ماذا أقول لك يا رجل؟
هوّن عليك،
فلستَ أفضل من أنبياء الله وقد لقوا ما لقوا وهم المدعَّمون من السماء. ما تلقاه، يا فتي الفتيان بعضٌ ممّا لقوا ويلقى الخيّرون في هذه الأرض. وإنّي لأرى جزاءك من جنس ما وعدتهم به السماء من فيوض عطائها.
ليس هذا تهوينا ولا وعدا بقول من عاجز.. وما أنت فيه أهون عليك منه عليّ.
هو يقينك أحكيه لك. كان يمكن أن تبدّل طريقك، ولكنّك لم تفعل،
ولم تتراجع.
حظّك أنّك لست من صنف ذاك الذي ” يفسد فيها ويسفك الدماء”.
لقد اخترت، بملء إرادتك، ألّا تكون من صنف القائل “لأقتلنّك”.. بل اخترت، لمّا جاءتك السلطة تسعى بين يديك بأمرك، اخترت طريق الذي قال منهما ( لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ)، لأنّك تعلم، علم البقين، أنّ من فعل ذلك كان من الظَّالِمِينَ، وأصبح مِنَ الْخَاسِرِينَ.
أنت بهذا العمر النضاليّ العظيم تدفع عن نفسك الخسران من الظلم، لتكون أنت المظلوم الذي يدفع بظالميه إلى خسرانهم المبين.
المشكلة الكبرى، يا سيّد علي،
أنّنا، نحن معشر العاجزين، سنحمل، فوق هذه البقعة، جميعا أوزار ظلمك.. ولكلّ منّا من الظلم المسلَّط عليك نصيب وافر لن يجد معه ما يُعذِره.
ماذا أقول لك؟
ليس في القريحة ما يليق بك من دعاء،
أنت الداعي
والدعوة
والدعاء.
صارت إليك مادّة (د.ع.و)
ادعُ بها كما تشاء..
واشتقّ منها ما ترى…
أظنّني أسمعك ترتّلها
(فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ ..)
وكأنّني أرى استجابته
(فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ () وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ () وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ ).
إلّا أن يكون قد تخلّى عن تجلّيه على أرضه صارت أسيرة بيد الذي يظلم فيها.
قرأته قال نصًّا :
(إنّي حرّمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرّما فلا تظالموا)،
فأين، في الأرض، حظّ الذين ظُلِموا ؟

••

علي الْعُرَيِّض (15 أغسطس 1955، مدنين) وزير الداخلية في حكومة حمادي الجبالي بين 2011 و2013، ثم رئيس الوزراء في حكومته من 14 مارس 2013 إلى 29 يناير 2014. هو مهندس في الشحن البحري وصاحب خبرة في مجال النقل، ورئيس الهيئة التأسيسية وعضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة ثم أمينها العام، وشغل كل الوظائف القيادية بالحركة.

محكمة تونسية قضت بالحكم على علي العريض رئيس الحكومة التونسية الأسبق ونائب رئيس حزب النهضة بالسجن 34 عاما في ما يعرف بـ”قضية التسفير”.


اكتشاف المزيد من تدوينات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً

نور الدين الغيلوفي

قال لي الفيلسوف عن الكتلة التاريخية

نور الدين الغيلوفي سألتُ الفيلسوف، – أما زلت تؤمن بالمشترك وتنادي بالكتلة التاريخية؟ فأجابني: – …

نور الدين الغيلوفي

ويل لهذه البلاد من هذا الظلم

نور الدين الغيلوفي ((وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ …

اترك تعليق