الأحد 20 أبريل 2025
نور الدين الغيلوفي
نور الدين الغيلوفي

شاف وكبرانات.. على ذكر المسؤول الذي يُخلّ بأداء مهامّه

نور الدين الغيلوفي

في زمن بورقيبة أنشأت الدولة لأهل القرية، وكانوا في أغلبهم فقراء لا يسألون الدولة إلحافا يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفّف، أنشأت لهم حظيرة “شانطي”. والشانطي مظهر من مظاهر الاقتصاد الهشّ. ويتمثّل في أن يأخذ كلّ عامل من هؤلاء العمّال معولا أو رفشا ويأتون عند “طابية” في الصحراء لإقامتها أو تسويتها. هو عمل لا ينتفع منه أحد، غير أنّ الدولة قد جعلته مصدر رزق لبعض القرويين حتّى لا يصيبهم جوع قد يتحوّل إلى احتجاج ترتفع منه أصواتهم. والدولة لا تحبّ صوتا يرتفع فوق صوتها. الدولة في ذلك الوقت كانت راعية. ولكنّ القرى كانت خارج مناطق رعايتها. كانت قرانا هملًا ترعاها السماء بعنايتها.

حظيرة “الشانطي” كان عليها مسؤولان: مسؤول صغير هو “الكبران” يحضر على عين المكان مهمّته مراقبةُ العمّال ورفعُ أمر من استحقّ العقوبة منهم إلى المسؤول الذي فوقه وهو “الشاف” الذي إليه يعود قرار العقوبة. والعقوبة تكون عادة خصم يوم. وكان أجر اليوم الواحد دينارا أو دينارين.

الشاف لا يحضر إلّا زياراتٍ خاطفةً يلتحق فيها بالحظيرة على دراجته النارية. العمّال عادة لا يكادون ينجزون من عملهم شيئا، ولكنّهم يظلّون متحفّزين حذر أن يفاجئهم “الشافّ” نائمين عنه. فإذا رأى أحدُهم دراجة الشاف قادمةً من بعيد أو تناهى إليه صوتُها، قبل ظهورها، أعلم البقية فوقفوا إذا كانوا قاعدين أو نهضو إذا كانوا نائمين. ويسرع بعضهم إلى إطفاء كانون التاي.

عمّك عبد الله كان شيخا لا قدرة له على العمل. ولكن كان عليه أن يقيّد اسمه في قائمة الشانطي ليطعم أطفالا له لا يزالون صغارا. وكان شاعرا مقذعا إذا هجا.

التحق عمّك عبد الله بالحظيرة. غير أنّ حاجة ألمّت به، يومًا، اضطرّته إلى الغياب عن عمله. وفي يوم الخلاص وجد أجره ناقصا. ولمّا سأل علم أنّ الكبران والشاف قد تآمرا عليه فخصما منه أجر ذلك اليوم الذي غاب فيه عن العمل.
أُسقط في يد عمّك عبد الله. ولم تسعفه غيرُ قريحته. فهجا الشاف والكبران كليهما. ذكرهما بالاسم فأقذع في بيت قال بعده:

ما لّا شاف وكبرانات *** يحتاجو لازم تيجوني
في عمري منّكت نهار *** ينقبهم كيما نقبوني.
عمّك عبد الله كان مسؤولا. أخلّ بمسؤوليته فكان عليه، من يومها أن يحزم حقائبه ويغادر المسؤولية التي كان يتولّاها.. لأنّه بمعيار الشاف والكبران ليس أهلا لها.
رحم الله عمّك عبد الله
تو هو في دار الحقّ، وحني في دار الباطل.


اكتشاف المزيد من تدوينات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً

نصر الدين السويلمي

حين يحاضر عرّاب الانقلابات في الديمقراطية!

نصر الدين السويلمي تباعا يقوم محمد عبو بمهاجمة عشرية الصمود، ويحذر من العودة إلى شرعية …

أبو يعرب المرزوقي

ثانية أنصح: حماس احذري

أبو يعرب المرزوقي لما ربحت حماس الانتخابات قبل انفصالها عن فتح نصحت بعض قياداتها الأعلى …

اترك تعليق