Site icon تدوينات

قال لي الفيلسوف عن الكتلة التاريخية

نور الدين الغيلوفي

نور الدين الغيلوفي

نور الدين الغيلوفي

سألتُ الفيلسوف،
– أما زلت تؤمن بالمشترك وتنادي بالكتلة التاريخية؟
فأجابني:
– لا أزال مؤمنا بها. هي ليست أمرا اختياريًّا، بل ضرورة تاريخية.

أمّا أنا فقد كنت أظنّ أنّ وصفة الديمقراطية ممكنة لتنظيم فوضى هؤلاء الفرقاء. غير أنّني بعد الذي جرى في عشرية الحرية وما يحصل، منذ حدث الانقلاب عليها، ما عدت أثق في كثير من هؤلاء.

لقد تبيّن أنّ الديمقراطية ليست، لديهم، أكثر من عنوان دعائيّ. وما يجعل منها كذلك أنّ الذين يتّخذون من الديمقراطية اسما لهم لا علاقة لهم بالديمقراطية من قريب ولا من بعيد. خذ لك، مثلا، الطائفة التي تسمّي نفسها “العائلة الديمقراطية”. هؤلاء جعلوا من الديمقراطية علامة تجاريّة قرّروا احتكارها ونفيها عن غيرهم في سلوك تكفيريّ لا يخفى.

لا يؤمنون بحقّ الإسلام الذي يسمّونه سياسيّا في الوجود. منهم من يرى في إلغائه (وتلك عبارة مخفّفة من الاستئصال) عملا مؤجَّلا، ومنهم من يرى في إلغائه أولويّة. ولا فرق فيهم بين معجِّل ومؤجِّل.
هؤلاء منهم الفاشيون الذين عملوا على إفساد المشهد تمهيدا للانقلاب عليه.
ومنهم الوظيفيّون الذين تحالفوا مع الفاشيّين وبالغوا، مجتمعين، في تسميم الأجواء وانتهوا بالدعوة إلى الانقلاب على المنظومة بدعوى تفعيل الفصل 80. بعد أن رأوا الفرصة سانحة للتخلّص من الإسلاميين بالدبّابة لا بالصندوق الانتخابيّ.
ومنهم الانقلابيون الذين رقصوا فرحا بجثوم الدبابة على باب البرلمان وسخروا من رئيسه الواقف وحده في وجه مذبحة الحرية.. كان مشهدا تاريخيا يُحسَب له، كان فيه يدافع عنهم ولكنّهم من غبائهم سخروا منه تضاحكوا عليه.

اليوم يرى هؤلاء عظيم الجرم الذي ارتكبوه لمّا استسلموا لغرائزهم العدوانيّة فهدموا البيت على كلّ من فيه. البيت الذي هدموه جعلهم في العراء مثلهم مثل خصومهم الذي تآمروا عليهم. وكان جزاؤهم علقما يجدون طعمه ولكنّهم يكابرون فلا يعتذرون.

كانت عشرية الانتقال الديمقراطي فرصة لهؤلاء الفرقاء يتدرّبون من خلالها على إدارة اختلافاتهم بطرق حضاريّة، خاصّة بعد أن وضعوا دستورا محترما يصلح لفكّ تشابكاتهم في السياسة والثقافة وفي كلّ شيء. غير أنّهم أصرّوا على إفساد التعاقدات ونكث العهود، فانتهوا إلى سحل الديمقراطية في نسختها العربية الوحيدة.

خصومهم كانوا أشرف منهم وأكثر ديمقراطيّة بسبب كونهم “دراويش” جعلوا من الديمقراطية لهم عقيدة أو بسبب كونهم براغماتيين يعلمون أنّ شعبيتهم جعلت لهم تحت شمس الديمقراطية مكانا لا يخشون عليه. ولكي يزرعوا الطمأنينة لدى خصومهم تخلّوا عن “الإسلام السياسي” وجاؤوا بالإسلام الديمقراطي وقد ظنّوا أنّ الحرية خيمة يستظلّ بها جميع المتعاقدين.

غير أنّ راديكاليّة رفض خصومهم لهم جعلتهم يتحالفون ويستقوون عليهم بالدبّابة العسكرية لإخراجهم من المشهد مرّة واحدة. وبعد الضرر الذي ألحقوه بالبلد طيلة أكثر من ستّ سنين لا يزالون يدورون في مربطهم نفسه مقيَّدين إلى غريزتهم التي استولت عليهم ومنعتهم من العقل وجعلت منهم حجر عثرة في طريق كل تقدّم. كانت غاية هؤلاء التخلّص من الإسلاميين، ولأنّهم قد فعلوا فقد اكتفوا بما فعلوا ورضوا.

هؤلاء أنفسهم هم الذين جاءت بهم الثورة، مضطرّين، إلى الديمقراطية التي تظاهروا بها. وما كانت غير تقيّة. حتىّ وجدوا الفرصة فانقضّوا عليها.
هؤلاء لا يصلحون لتكوين كتلة ولا لبناء تاريخ.
هنا يأتي السؤال عن الحلّ.
فما الحلّ؟

Exit mobile version