أبو يعرب المرزوقي
بعد أن تمكّن المسلمون من إندونيسيا إلى المغرب من الصمود والمطاولة عدم الانهزام في تحديهم للغرب كله أقصاه (أمريكا) وأدناه (أوروبا) رغم خذلان جل حكام المسلمين وخاصة العرب منهم فإن القادم من المعارك يحتاج إلى مراجعة لاستراتيجية الانتصار قابلة للتحديد الواضح.
فما حدث في ما بعد استئناف الربيع بفضل إقدام الطوفان وما تعاني منه أمريكا وإسرائيل حاليا بفضل هذين الفعلين لمقصورين على شعب محمية عربية واحدة (الشام) بمساعدة دولة إسلامية واحدة (تركيا) وفصيل من شعب واحد مستعمر تبينت الطريقة التي ستسرع من هزيمة أمريكا وإسرائيل هزيمة قاضية على شروط بقائهما.
ولا حاجة لانتظار وحدة كل المسلمين وحدتهم شبه المستحيلة حاليا لأن شرطيها المضاعفين لم يقع استعادتهم:
تحرير نظام التربية باسترداد حرية الإرادة ورجاحة الحكم اللتين يحول دونهما تشتيت التاريخ وتفتيت الجغرافيا شرطي استعادة شبابها الطموح التاريخي المتجاوز للعرقيات والطائفيات شرطين لبناء قوة من علل ضعفها.
وما افقدها “معاني الإنسانية الخلقية” بلغة ابن خلدون في تكوين الفرد الذي صار عبدا وعالة تابعة: وهو ما أفسد أخلاقها وبأسها فصارت قابلة للعبودية..
وما افقدها “معاني الإنسانية السياسية” بلغة ابن خلدون في تكوين الجماعة التي صارت خانعة ولا تعنى بسيادتها التي هي فرض عين على الجميع وليس مسألة خاصة بالقادة المرتدين والخانعين.
كيف يمكن إذن أن ازعم أن النصر مع ذلكم ممكن في غياب هذين النوعين من الشروط الخلقية السياسية؟
الجواب مضاعف بالاستناد إلى العلاقة بين القوتين المادية والروحية وكيفية تدارك الأولى وتقوية الثانية.
تلك هي الاستراتيجية التي اقترحها لتسريع خطى الاستئناف.
فكيف نتدارك ضعف القوة المادية الذي هو أكبر عندنا منه عند عدونا أعني قوة الرعاية وتتعلق بالرعاية التكوينية (التربية والعمل) والتموينية (الثقافة والإقتصاد واصلها أربعتها (البحث العلمي وتطبيقاته) في وظائف الدول.
وكيف نزيد التفوق الروحي عندنا فنقويه اكثر رغم كون الصمود منذ قرون دليل على أنه أقوى عندنا منه عند العدو.
فما حصل مع الشعوب الأخرى التي فقدت الكثير منها استقلالها الروحي والحضاري بل وقضى على بعضها فأفناها ماديا (الهنود الحمر) أو روحيا بتغيير عقيدها وفرض ثقافته ولغته عليها.
وكل من كان مسلما منها فهو سيسترجع ثقافته ولغته وعقيدته بمجرد حصول الاستئناف وبعضها بدأ بعد كما حدث بين توابع فرنسا الذين عادوا لهوياتهم فاستردوا سيادتهم في إفريقيا.
فتدارك ضعف القوة المادية توفرت شروطه الموضوعية بفضل ما ورثته الأمة منها لأنها هي ما تحتويها جغرافية الأمة وتاريخها وخاصة حصتها من المعمورة ومن ثرواتها الطاقية والمعدنية والممرات والبحار الدافئة وهي كلها من ميسرات الاستئناف رغم تفتيتها وتشتيتها.
وبقيت الشروط الذاتية مخالفة للشروط الموضوعية بسبب عمالة القيادات السياسية والنخب التابعة لها وخاصة بسبب العدوين التاريخيين أي أذيال الفتنة الكبرى (الباطنية والتشيع) وأذيال الفتنة الصغرى (العلمانية واليسار المتصهين).
لكن هؤلاء الأعداء بنوعيهم خسروا المعركة. فالباطنية والتشيع هزمت في الشام ولبنان وأذيال العلمانية خسروا المعركة في تركيا وحتى في جل بلاد العرب وبقية المسلمين.
وهكذا فإن بعض البؤر التي تقاوم حاليا في دار الإسلام كافية لكي تفقد التفوق التسليحي لأمريكا والإسرائيلي بالتفوق العددي الذي تتميز به الأمة الإسلامية.
فحاليا أمريكا لن تستطيع خوض حروبا كثيرة مطاولة كما حدث لها في أفغانستان.
ومن ثم فإن تعديد البؤر المقاومة سيحول دون أمريكا أن تواصل حربها العبثية على المسلمين وإسرائيل يكفيها تعدد البؤر في الوطن العربي بل وكيف ما يحيط بها منه:
وقد تحقق حاليا في قوتين (فلسطين وسوريا) ويكفي أن يحصل نفس الشيء في الأردن ومصر حتى تنهار إسرائيل.
وإذن فمن مصلحتنا أن تحقيق عين ما تحقق في فلسطين وتعميمه على مصر والأردن. وما دامت إسرائيل تتحرش بهما كما تتحرش بالشام وما دام حزب الله وإيران يتحرشان بالشام فإن الحلف بين العدوين المباشرة وسندهما الأمريكي سيتحرشان بالأتراك وبأفغانستان. فيصبح عندنا عديد البؤر التي لن تسطيع معهما أمريكا صبرا وستضطر للهروب من الأقاليم حتى تتفرغ لمشاكلها الداخلية والعالمية الناتجة عن التنافس مع الصين وحتى مع أوروبا بعد الانقسام الذي لن تندمل جروحه بعد ما حصل في أوكرانيا.
فإذا كانت غزة صمدت اكثر من سنة ونصف ولم تنهزم وكانت اليمن قد صمدت ما يقرب من ذلك وكانا كلاهما لم يرفعا الراية البيضاء فإن الأردن ومصر والشام سيصمدون اكثر من ذلك ولن تستطيع إسرائيل الصمود أسبوعا لأن هؤلاء ليسوا مثل حزب الله ومليشيات إيران مجرد “بهبارة” مدعين. لأنهم جبناء أولا ولان “ممانعتهم” مجرد غطاء على عداوة اعمق عندهم أي السنة لأن إسرائيل منافسا وليست عدوا: منافس على تقاسم رزق بلا “امالي” أهل لأن الأنظمة العربية بعضها عبيد عند إيران وبعضهم عبيد عند إسرائيل وكلهم عبيد عند أمريكا.
لذلك فإني اعتبر إعلان إسرائيل على تحقيق خطة لإسرائيل الكبرى ولو بحرب على كل من يحيط بإسرائيل الصغرى وتأييد أمريكا لها سيجبران المحيط القريب والمحيط البعيد على فهم امرين:
الأول هو ما يحدث حاليا في فلسطين والشام سيمر مباشرة الى المحيط القريب من إسرائيل وسيتقدم عليه ما يطبقه ناتنياهو بالحرب بالشروع في نزع سلاح المحيط المباشر وهو يعلم أن ذلك لا يكفي ومن ثم سيتقدم إلى محاولة نزع سلاح المحيطين بالمحيط المباشر أي إنه سيحاول ضرب تركيا وإيران ولا يعبأ بالعرب لعلمه أن حكامهم ونخبهم نعاج عديمي الكرامة والرجولة.
لكن الشعوب لن تستسلم وفي ذلك الفائدة المنتظرة لأن 48 لن يتكرر: الشعوب تبدو مستسلمة لكنها حائزة على الشروط الموضوعية بسبب تعمم التعليم والتكوين القادر بالقوة بين ليلة وضحاها أن ينقلب على العملاء وينزل للميدان.
وذلك هو عين ما أتوقعه وليس مجرد تمن:
فاجتماع المحيط المباشر سيلحق بالمحيط غير المباشر الذي سيساعده حتى وإن كانت إيران تفضل الحلف مع أعداء السنة ما قد يجعل تركيا تخشى غدرها فيعطل الاستئناف.
لكني واثق أن نظام الملالي لن “يطول” فهو في مرحلة الاحتضار: يكفي أن يحصل في العراق ما حصل في سوريا وهو اقرب حدث انتظره قريبا وقريبا جدا. هذا إذا لم تنجح تركيا في تحريك شمال إيران لإلهائها بشأنها الداخلي.