عبد الرزاق الحاج مسعود
نعم وجدا وبشكل مباشر. تركيا فاعل مؤثر جدا في منطقتنا تماما مثل الكيان النازي. ومن المكابرة إنكار أنها هي التي أشرفت بشكل مباشر، عسكريا وسياسيا، على إسقاط الأسد، وأنها “المستثمر” الأكبر في الحكم الجديد في سوريا التي تتواجه فيها كل أجندات الاستعمار العالمي تقريبا.

تركيا كانت فاعلا محددا في ليبيا أيضا. وإلى حد الآن تُعتبر الحليف الاستراتيجي الأهم لحكومة الدبيبة في مواجهة حفتر المسنود أساسا من الإمارات ومصر.
في تونس، تركيا استثمرت في النهضة. لكنها انهزمت أمام أجندات أجنبية أخرى تمتلك أوراق لعب أقدم وأرسخ وأشد فاعلية منها، فاختارت الانسحاب و”ترك أهل البلاء في البلاء” لتستثمر في دول أخرى مردودها الاستراتيجي أعلى.
• هل تركيا مشروع استعماري يستوي في السوء مع مشاريع الاستعمار الأخرى، كالكيان النازي والاستعمار الفرنسي والأمريكي والبريطاني.. والصيني..؟
من يقول أن تركيا قوة إمبريالية بنفس خاصيات الإمبرياليات الاستعمارية الأخرى، أو أن تركيا مجرد حليف/وكيل أمريكي في المنطقة، هو ببساطة شخص يتعامل مع سطح السياسة وتحرّكه “انفعالات نفس-سياسية” لا أفكار.
تركيا مشروع قومي ناهض له كل شروط التناقض الموضوعي مع قوى الاستعمار التقليدية التي فتكت وما زالت تفتك بالعرب. والمساواة بينها وبين هذه القوى كسل أيديولوجي وشعبوية رثة للأسف.
• هل يعني ذلك أن تركيا تبحث عن مصلحتنا نحن العرب ؟
استراتيجيا لا. لكن تكتيكيا نعم. من مصلحتها نشأة مجال عربي مستقرّ ومزدهر يشكل لها ظهيرا اقتصاديا وسياسيا في مواجهة أوروبا التي تعتبر تركيا عدوها الأخطر.
• ما الذي يحدث في تركيا الآن بالضبط؟
أردوغان استثمر على امتداد ثلاثين عاما كاملة (صعد إلى رئاسة بلدية إسطنبول سنة 1994) في مشروع سياسي ذي خلفية ثقافية إسلامية شكّلت تحوّلا نوعيا في هوية الدولة والمجتمع في تركيا. ولكنه يعلم أن خروجه من الحكم يعني انهيار كل المشروع الذي تقدم في إنجازه خطوات كبرى وسط محيط تركي منقسم حول مشروعه ومحيط أوروبي معادٍ جذريا له.
لذلك، إيقاف زعيم المعارضة وقائمة الاتهامات الموجهة ضده، حتى إن كانت صحيحة، ليست إلا عملية سياسية استباقية، أو انقلاب استباقي، كما سمّته المعارضة، من جانب أردوغان لمنع سقوط مشروعه.
• ألا يُعتبر ذلك استبدادا أردوغانيا وخرقا لقواعد الصراع الديمقراطي؟
نعم طبعا.
والحقيقة، التي لا معنى لإخفائها، أن أردوغان لا يفعل إلا ما يجعله ميكيافيليا ناجحا. العالم تحكمه “حرب سياسة” مفتوحة. وكما لن يفوّت خصومه فرصة الانقلاب عليه، وقد حاولوا ويحاولون (والقول بأن المحاولة الانقلابية المجهضة سنة 2016 كانت مجرد مسرحية ليس إلا تخريف مؤدلجين)، فلن يتردد هو أيضا في القيام بانقلابات مضادة، ولو استباقا.
• هل أنا أبرر لأردوغان استبداده وتشويهه للديمقراطية ؟
الحقيقة أنه لا يحتاج مني تبريرا.
لكن ما أعلمه، من خلال ثوراتنا العربية المنقلب عليها، أن حقا لا تسنده قوة هو حق مُداس لا محالة. وأن الديمقراطية الحق ممكنة نعم، لكن في دولة اليوتوبيا.
تبا.
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.