أبو يعرب المرزوقي
لما انظر إلى ما تُقدِم عليه إسرائيل حاليا في الشام وفي لبنان وفي فلسطين أتأكد أن اليمين الإسرائيلي بقيادة ناتنياهو يحلم بإسرائيل الكبرى ولا يدري أنه بصدد إنهاء سايكس بيكو الذي كان شرط وجود إسرائيل الصغرى. فلولا تفتيت دار الإسلام بسايكس بيكو لاستحال تحقيق وعد بلفور.

إزالة سايكس بيكو يعني إزالة شرط بقاء إسرائيل:
وتلك هي دلالة الحمق.
فعندما تسعى إسرائيل الحالية إلى ادعاء حماية حدودها بنزع سلاح أجوارها فهي لا تفهم أن ذلك من مكر الله: فهي توحد أجوارها لحماية حدودهم هم بدورهم.
ولا يمكنهم التصدي لتوسيع رقعة إسرائيل ما لم يفهموا أن ذلك يعني تضييق رقعة أقطارهم. فيكون التوسيع مع التضييق شرطين للتخلص من شرط إمكانهما:
- الأول هو قوة العدو وضعفهم بسبب تفتيت قواهم.
- الثاني هو خيانة حكامهم الحائلة دون القضاء على ضعفهم.
- وأثر الأول ببعديه في الثاني ببعديه هو محرك الثورة العربية لاسترداد السيادة والقوة وفهم علة الضعف والعلاج.
- وفهم علة الضعف والعلاج يؤدي إلى تغير المعركة. فلا تبقى ما حصل عام 48 بل ما بدأ يحصل منذ 73.
- وبذلك يكون الطوفان في فلسطين والربيع في الشام الحاصلان حاليا باكورة الآتي في الإقليم كله.
هذا من حيث الحمق في سياسة ناتنياهو واليمين الإسرائيلي.
فلنأت الآن الى التهريج.
فمهما وسعت إسرائيل حاليا من سيطرتها على الحدود بينها وبين أجوارها فهذا لن يقويها بل سيزيدها ضعفا.
إذ انه يحد من قدرة إسرائيل حماية ما تظنه حماية لها: نزع سلاح أجوارها لا يمكن أن يشمل كل قطرها لأن السلاح اثره لم يعد محدودا بالقرب والبعد إذ هو في حالة الحرب لن يكون مقصورا على الحدود بل يشمل كل إسرائيل وكل الأجوار.
والعدوان عليهم سيوحدهم أولا بمقاومة الخونة بينهم وتمتين الوحدة الداخلية في كل قطر ثم بين الأقطار لأن الخطر صار واحدا والرد عليه لن يبقى متعددا بل هو بدوره سيتوحد.
وسيرى نتنياهو ذلك عندما تفرغ سوريا من إتمام شروط الوحدة الوطنية في الداخل. وهي إذن تترك قيادات إسرائيل يهرجون بمثل هذه التحركات التي تضعفها ولا تقويها في حرب لم يعد العرب فاقدين لشروط إدارتها خاصة والغرب لم يعد له القدرة على حماية هذا التهريج.
فإذا كان فصيل صغير مثل حماس قد افقدها توازنها العسكري والاجتماعي واخسرها كل سردياتها التي كانت تستعملها للاحتماء بالغرب فإن ما يحدث في الغرب حاليا بشقيه أي الغرب الأقصى (أمريكا) والأدنى (أوروبا) سيعوق تحمل التهريج الإسرائيلي وسيفرض عليها حل جنوب إفريقيا لإنهاء الحالة الاستعمارية وفرض الدولة الواحدة التي سهلتها كحلا وحيدا. فهي التي منعت القسمة الدولية بين دولتين بمستعمراتها التي عممتها في الضفة.
ولا اعتقد أن ذلك بعيد المنال فقد بات قاب قوسين أو ادنى من منظورين.
- الأول: هو أن توسيع إسرائيل صار أمرا يقض مضجع كل الأنظمة العربية وهي كلها لا يمكن أن تستسلم للتهديد الإسرائيلي مع المحافظة على الوجود ككيانات لها بعض شرعية.
- الثاني: هو أن كلفة التوسيع ستكون كبيرة ولا أحد من الغرب بقادر على تحملها: ذلك أنها ستقتضي ليس حركة الجوار فحسب بل إن كل أصدقاء الأجوار العرب من حول إسرائيل لن يبقوا بمنأى عن مساندتهم وهو ما يعني أن المسألة ستصبح إسلامية عامة وليست عربية فحسب.
ولا يمكن لأمريكا أن تواصل ما ورطتها فيه إسرائيل في حروب خسرتها كلها رغم استعمالها لقوة الحلف الأطلسي الذي هو الآن بصدد الاحتضار.
لن ترسل أمريكا أبناءها لمحاربة أجوار إسرائيل ناهيك عن بقية العرب والمسلمين. فما خسرته في حروبها منذ سقوط السوفيات إلى الآن لا يمكن أن يشجعها على مواصلتها هذا النهج لأنها تستعد لما هو اهم ولن تخسر العرب المسلمين بعد أن خسرت ثقة أوروبا فيها فتصبح شبه متخلية على كل من كان يحتمي بها.
وفي الأخير فإني بت متأكدا أن عنتريات ناتنياهو واليمين الإسرائيلي من مكر الله الخير الذي يمثل افضل سند للشروع الفعلي في الاستئناف وهو قد بدأ.
فكما أن أفغانستان هزمت الحلف الأطلسي وأمريكا بفضل ذكاء باكستان فإن إسرائيل ستخسر هذه الحرب بفضل ذكاء تركيا.
فقد تكون الأنظمة العربية لم تفهم بعد هذا الحلف العربي التركي الباكستاني من ضرورات المحافظة على دولهم وحماية حدودهم فإن إسرائيل بتهريجها هي التي ستقنعهم بضرورة ذلك للمحافظة على أقطارهم.
وإن لم يقتنعوا فسيكون مصيرهم مصير النعجة لأنهم سيستنعجون كما فعلوا قبل اللحظة التي حدد مصيرها الطوفان في فلسطين والربيع في الشام فتتساقط أقطارهم كأوراق الخريف ويعم الطوفان والربيع كل الوطن العربي.
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.