فتحي الشوك
عندما تقرأ بيان وزارة الخارجية والهجرة وهي وزارة لدولة تونسيّة عضوة في الأمم المتّحدة وملتزمة بما وقّعت عليه من اتّفاقيات بما فيها احترام الحرّيات وحقوق الإنسان.
أين نحن الآن؟ في القاع…جيّد على الأقلّ لن نسقط مرّة ثانية!
كم أتمنّى أن نكون قد لامسنا القاع كما قال دوستوفيسكي لكن كلّ الخشية أنّنا لم نبلغه بعد!
والخشية الأكبر أنّنا وصلنا درجة العجز عن تقييم المخاطر وتشخيص المواقف وإلى مستوى من التبلّد الشّديد في الإحساس والتّفاعل الشّعوري السّليم وصرنا لا ندري بالضّبط ماذا نفعل إزاء ما نتعرّض إليه من مواقف، لخبطة في الإدراك الشّعوري تجعلنا حائرين أمام ما نسمعه وما نشاهده وما نعيشه من عبث، عبث بعقولنا وأحالها على التّقاعد.
هل نضحك أو نبكي أو نبكي ونضحك في آن واحد أو نتّخذ وضعية المصدوم من أصيب بالبهتة وصار عاجزا عن التّفاعل؟
عندما تقرأ بيان وزارة الخارجية والهجرة وهي وزارة لدولة تونسيّة عضوة في الأمم المتّحدة وملتزمة بما وقّعت عليه من اتّفاقيات بما فيها احترام الحرّيات وحقوق الإنسان وتكمل قراءته بعد جهد وعناء متحمّلا أسلوبه الفجّ الرّكيك ومضمونه المملوء مغالطات وكذب فاضح، تخال أنّك أمام بيان “فيسبوكي” لأحد الهواة لا يختلف عن بيانات غلمان التّاسعة، هل يمكن لأحد من منتسبي مدرسة الدّبلوماسية التّونسية المعروفة باتّزانها أن يكتب بذاك الأسلوب التّافه المتهافت المتعالي المفصول عن الواقع والّذي جعلنا أضحوكة أمام العالم؟
إنكار ثمّ إقرار ثمّ ادّعاء واستعلاء ودعوة إلى من يريد أن يعلّمنا إلى أن يتعلّم منّا فنحن وما أدراك أصحاب رسالة أمميّة والعيب فيمن لم يفهم تلك الرّسالة!
من الواضح أنّ الردّ على المفوّض الأممي يجب أن يكون من طرف قائد أممي فتلك هي الأصول واحترام المقامات، وعيب على هذا المفوّض الأممي أن يحشر أنفه فيما لا يعنيه ومن يفعل ذلك فليتحمّل أن يسمع ما لا يرضيه!
هؤلاء لا يعلمون حقيقة ما يجري على الأرض وتحرّكهم وشايات بعض المتآمرين والخونة وكان البيان فرصة للتّوضيح ووضع النّقاط على الحروف، لا يوجد معتقلي رأي في تونس وكلّ من تمّ الزجّ به في السّجن تمّ وفق القانون نتيجة لقضايا حقّ عام، ثمّ ما تمّ جنّب البلاد حربا أهلية وفوضى عارمة وقطع للرّؤوس واحبط سيطرة مائة ألف انتحاري كانوا على وشك السّيطرة على البلد وأروبا والأمم المتّحدة والمجموعة الشمسيّة ومجرّة التبّانة، كان الأجدر على الأخيرة وكلّ المنظّمات الدّولية أن تثمّن موقف تونس وتدعمه لا أن تندّد وتشهّر ببعض الخروقات!
لا يمكن أن يكون هذا بيان وزارة خارجية دولة محترمة تحترم عقول من تخاطبهم!
بيان لا يختلف مضمونا من حيث استنكار التدخّل والتّبرير وبثّ الأراجيف عن بيانات الكيان الغاصب المحتلّ حينما استهدفه نفس المفوّض الأممي، ويبدو أنّ لغة الاحتلال واحدة سواء كان ذلك داخليّا أو خارجيّا وتلك هي حال الفاشيّات خصوصا لمّا تكون شعبويّة رثّة، هم غالبا ما يهتفون بصوت واحد: “اتركونا وحالنا، دعونا وشأننا، لنفعل ما نشاء في شعوبنا، هي راضية وهي تريد فما دخلكم؟”
بيان فضيحة كما وصفه أغلب من اطّلع عليه،
كيف وصلنا إلى هذا الدّرك من القاع وهل مازالت درجات أخرى تنتظرنا وهل لهذا القاع نهاية وقاع؟
د. محمّد فتحي الشوك