Site icon تدوينات

واللّه لست حاقدا على أحد!

عبد اللطيف علوي

عبد اللطيف علوي

عبد اللطيف علوي 

قد يكون فيما أكتب كثير من المرارة، وكثير من الحسرة على حلم أضعناه، وكثير من الغضب والسّخط على من كان سببا ذات يوم في تدمير حياتنا، لكنّني واللّه لست حاقدا على أحد!

حتّى وأنا أعلن أنّي لن أتعاطف ولن أغفر ولن أسامح من دمّر أحلامي، فإنّي لست حاقدا على أحد، ولست شامتا، إنّما هو موقف سياسيّ أقدّر أنّه لا خلاص لهذه البلاد ولا مستقبل إلاّ إذا شرب الجميع، جميع من غدروا بالثّورة ونكّلوا بنا وبها، من كأس السّمّ الّذي سقوها إيّاه، لعلّهم إذا بقوا على قيد الحياة بعدها، يطهّرهم ذلك من أكبر جريمة ارتكبوها في تاريخ تونس الحديث: جريمة تدمير حلم ناضلت من أجله أجيال لخمسين سنة مضت، وحرمان أجيال قادمة من فرصتها في التّحرّر والكرامة والنّماء لخمسين سنة قادمة!

واللّه لست حاقدا على أحد!

وأنا أرى صورة عصام الشابي اليوم مع أبنائه وأقرأ ما كتبته زوجته اليوم، عن كيفيّة إيقاف زوجها، واتّهامه بالإرهاب، وتعليقات النّاس من حولها: “ها هي زوجة الإرهابي اللّي شدّوه”! أحسست بمغص في قلبي وشعرت كأنّ آلاف السّكاكين تقطّع أمعائي!

عصام الشابي

سمعت عصام الشابي يصفنا مرّتين بائتلاف التّطرّف ويعتبر وجودنا خطرا على الدّيمقراطية في تونس، ورددت عليه مرّة بمقال طويل عنوانه :”ثيران السّياسة المخصيّة”! أعترف أنّه كان قاسيا، لكنّه لم يكن أقسى في كلّ الأحوال من أن يصفك أحدهم بالتّطرّف بلا أيّ ذنب ولا دليل سوى أنّ عقله الإقصائيّ الإلغائيّ لم يستطع أن يفهم معادلة بسيطة وواضحة: كيف تكون مختلفا عنه ولا تفكّر مثله، وفي نفس الوقت لست أقلّ منه وطنيّة أو حداثة أو ديموقراطيّة!

جميعنا لم نكن نعرف عن عصام الشّابّي نزعات استئصاليّة ولا إقصائيّة، وكثيرون مثله أيضا كانوا أبعد ما يكونون عن ذلك، ولكنّ التّيّار كان أقوى منهم، وكان باب الدّخول إلى النّادي “الحداثيّ الديموقراطي التقدّمي الخرائي…” في تونس يقتضي حتما أن تمسح أوّلا قدميك في من يمثّل تيّار المحافظة والهويّة وتعلن تناقضك الرّئيسيّ معه وتصنّفه في خانة الرّجعيّة والتّطرّف ولم لا الدّوعشة والإرهاب!!؟

كما كان يقتضي البقاء في ذلك النادي الديموخراطيّ أن تذكّر في كلّ مرّة بذلك، ولا بأس أن تزايد بين الحين والحين على من يزايد عليك في تصنيفهم وتوصيفهم وشيطنتهم وإرهابهم!

كان الجميع يستسهلون وصمنا بالإرهاب، سيرا على خطى الفاشيّة، وحتّى عندما كانوا يحاولون أن يتمايزوا عنها في مواقف سياسيّة أخرى، كانوا يصرّون على أن يستدركوا بأنّ ذلك لا يعني أنّهم يخالفونها الموقف من النهضة أو الغنوشي أو مخلوف أو ائتلاف الكرامة…

وأصبحت تلك التّهمة/الجريمة تجري على الألسن كالماء في الإذاعات والتلفزات والاجتماعات والندوات السياسية وحتّى تحت قبّة البرلمان، بدون أن يحتجّ أحد أو يدقّ ناقوس الخطر أو يقول: إنّ هذه جريمة كبرى! جريمة ضدّ الإنسانية أن تصم خصمك السياسي بالإرهاب ولست قاضيا ينطق بالحكم النّهائيّ ولا محقّقا يستعرض الوقائع والشهود والإثباتات!!

دمّروا حياة الآلاف من البسطاء باستسهال وصمهم بالإرهاب، ودمّروا الحياة السياسية في البلاد ودمّروا مؤسسات الدولة ودمّروا خصومهم، وفي النّهاية دمّروا أنفسهم وهم لا يعلمون! أو ربّما يعلمون!
هل تدركون اليوم أيّ جريمة ارتكبتم في حقّنا؟!

هل تستطيعون اليوم أن تحسّوا بما كنّا نحسّ وقتها!

اليوم جميعكم موصومون بالإرهاب وتحاكمون بقانون الإرهاب، وبمن فيكم من كان يظنّ أنّه ربّ الحداثة والتنوير وبأنّ مجرّد حدوث ذلك في يوم من الأيّام هو مزحة ثقيلة سمجة أو خيال مجنون: غازي الشواشي وعصام الشابي ورضا بلحاج وعصام الشابي وعبير موسي نفسها… الّتي جعلت من وصمنا بالإرهاب والتكفير خبزها اليوميّ وخبز التّابعين لها من مرتزقة صحفيّين وسياسيّين ومدوّنين!

اليوم هي أيضا ستحاكم بقانون الإرهاب!

جميعكم اليوم ممنوعون من السّفر وجميعكم اليوم يجب أن تثبتوا أنّكم مواطنون صالحون أبرياء وأنّكم لا تحملون أحزمة ناسفة لتفجير الدولة من الداخل أو من الخارج وأنّ لكم حقوقا يجب احترامها وحياة تستحقّون أن تعيشوها!!

هل تفهمون اليوم لماذا تجدون كلّ هذا الحزن والمرارة والغضب في لغتي!؟

واللّه لست حاقدا على أحد!

إنما أنا حزين فقط وموجوع! ولا أستطيع أن أنافقكم أو أسامحكم أو أتعامل معكم مجدّدا أو أنظر في وجوهكم كما لو أنّه لا شيء قد حدث…!

لا استطيع!
لا أستطيع.

Exit mobile version