فتحي الشوك
لخبطة وهفوات اتصالية وسقوط في جبّ نظرية المؤامرة الّتي غالبا ما تستعملها السّلطة للهروب من استحقاقات اللّحظة فاذا بها تجني ممّا زرعت.
لا اعتقد أنّ الخارطة الطّبغرافية الوظيفيّة للقشرة الدّماغية هي نمطيّة وموحّدة وثابتة بالنّسبة للكائن البشري، أي أنّ اليد والوجه هما المهيمنان لدى الجميع فقد نجد لدى البعض تطوّرا للمساحة المسؤولة عن البطن أو العضو التّناسلي مع ضمور بقيّة المناطق وهو أمر طبيعي ومنطقي نتيجة للتّنشيط التحفيزي المتواصل للمناطق الّتي يراد تطويرها ويدخل ضمن إعادة تشكيل خرائط العقول تماما كما يتمّ إعادة رسم خرائط الجغرافيا.
لا غرابة إذا أن تكون مخارج الحروف تصدر من البعض من مخارجهم وأن يكون التّعبير عن إحساسهم نابعا من مناطقهم الحسّاسة.
كلّ الغرابة أن تنتظر أن تجني زيتونا وتعصره زيتا وأنت تقتلع الزّيتونة وتستبدلها بالغردق ثمّ نتساءل ببلاهة ما الّذي يجري ولماذا نغرق؟
مصدوم من صدمة البعض ومندهش لاندهاش البعض من درجة التّفاهة والانحطاط الّتي صرنا نعيشها والكارثة الّتي نواكبها ونحن نواجهها بنظريّة الضّفادع عند تسخين الماء في انتظار الإنفجار المحتوم.
استغرب البعض من نقنقة ضفدع صغير عضوي وهو يبذل مجهودا لكي ينضج ويتطوّر ويتحوّل الى ضفدع عضوي مكتمل وكامل مثل الضّفدع كامل بالرّغم من أنّ هذا الأخير لم يكن تافها بذيء اللّسان ولم يكن طبّالا كما في قصّة الضفدع الطبّال الصّينية!
لم يكن لنقنقة الضفدع الطبّال أن تستثير طبلات آذاننا لولا إصرار البعض على السّماح لقنوات مجاري الفضلات والأوساخ لأن تصبّ في بيوتهم وكان بإمكانهم سدّ فتحاتها لكنّهم يحفرون لها مسالك إضافية لينتشر العفن وتزكم الرّوائح الكريهة أنوفنا.
هي الشّعبويّة الّتي تحكمنا والّتي نواجهها بشعبويّة أتفه منها.
ماذا تنتظرون أن تسمعوا؟ كلّ إناء بما فيه يرشح، وإذا كان ربّ البيت للدفّ ضاربا فشيمة أهل البيت الرّقص، فمتى نقلع عن عادة انتظار العسل من مؤخّرات الدّبابير؟
عادي ما صدر من ذاك الضفدع الطبّال وما يصدر من كلّ جوقة الضفادع في غديرها العفن فمهمّتها نشر ما فيها من عفن وتلويث دماغك وإعادة تشكيله.
وعادي ما شاهدناه في مدينة القيروان رابع مدينة في التّاريخ الإسلامي والّتي تحوّلت إلى عاصمة الجريمة والانتحار والتهميش والفقر والجهل بعد أن كانت منارة تشرق حضارة شرقا وغربا.
طالب في القيروان تبيّن أنّه أصيب بالتهاب السحايا البكتيري الخطير، لم يتمّ نقله على جناح السرعة الى المستشفى حيث كان التدخّل متأخّرا فتوفّي رحمه اللّه ورزق أهله وذويه جميل الصبر والسلوان، لم يوضّح أحد في البداية خطورة الوضع الذي يستوجب تطعيم المحتكّين بالضّحية بجرعات مضاد حيوي (ريفادين) لمدّة يومين، فحصل هرج ومرج لاعتراض الطلبة على هذه الإجراءات بل اعتبر بعضهم أنّها مؤامرة للتخلّص منهم الى جانب شعورهم الأولي بالرّيبة تجاه ما حصل لزميلهم الفقير.
لخبطة وهفوات اتصالية وسقوط في جبّ نظرية المؤامرة الّتي غالبا ما تستعملها السّلطة للهروب من استحقاقات اللّحظة فاذا بها تجني ممّا زرعت.
لا تنتظر أن تقطف وردا وأنت تزرع الشّوك فالنتيجة الحتمية أنّك ستجني الجراح، ولا تنتظر ودّا وكلاما جميلا طيّبا وسلوكا سمحا وأنت تنثر بذور الحقد والبغض والكراهية، فالحصاد سيكون وليد ما تزرعه ومنتوج أيّة عمليّة كيميائية هي محصّلة تفاعلات مكوّناتها، ومن الغباء أن تتوقّع نتيجة مغايرة لتجربة تكرّرها بنفس الأسباب.
عندما يُعمل على تغييب العقل وتزييف الوعي ونشر الجهل وبثّ الخوف واستثارة الغرائز وعندما يُستثمر في زرع التّباغض والحقد والكراهية والإنقسام والتّنافر وغياب الحوار بين مكوّنات مجتمع ما، فمن الطّبيعي أن نرى حالة التأزّم الحاد الّتي نعيشها وكأنّنا في حالة موت سريري.
عندما تمارس السّلطة شعبوية رثّة وتلتجئ دوما لنظرية المؤامرة فعادي أن تجد نفسها في لحظة ما، لحظة تستوجب توظيف العقل والأخذ بالأسباب، وهي تتّهم بنفس التّهم الّتي تكيلها جزافا لمعارضيها ولمن يغرّدون خارج سربها.
مأساة ما عشناه أخيرا في القيروان وما تخفيه مأساة أعظم وأمرّ، وتلك هي نتيجة طبيعيّة لسياسات التّهميش والتّهويش والتّجييش وتغييب لغة العقل بل وتغييب اللّغة والحوار والارتماء في حضن نظرية المؤامرة والحروب الوهميّة وتلك هي ضريبة الشّعبويّة خصوصا لمّا تكون رثّة ومركّبة والقادم أسوأ إن لم نتدارك الأمر.
د. محمّد فتحي الشوك