كمال الشارني
لما “ندبت وجهي” في 2012 من أجل إعادة اختراع الإعلام التونسي، كنت أرى الوضع عن كثب وكنت أدرك بالحد الأدنى لعلوم المهنة أننا نذهب في اتجاه الخراب أيا كان حسن النوايا ونفقد الساحة العامة “الأغوار” لفائدة الزنوس.
دعوت بما أقدر رجال الأعمال إلى الاستثمار في إعلام حرفي، يقوده أناس معروفون بكفاءتهم الصناعية وفق ما تم تعريف مهنة الصحافة في قوانينها وفي مجلة الشغل وفي التجارب الإنسانية،
جماعة النهضة، أصحاب الغلبة وقتها، كانوا يحاربون طواحين الريح بالكلام ويتقربون بالفعل إلى زبانية إعلام بن علي ويمنحونهم المسؤوليات والفرص ويشترون رضاهم ويتعاركون للوصول إلى منابرهم في وسائل إعلام أثبتت في كل العصور أنها بلا ضمير وأنها تكرههم من حيث المبدأ، رجال أعمال قريبون من النهضة استثمروا في مشاريع يقوم عليها أناس لا علاقة لهم بالصحافة “لا يفرقون بين الخبر والتعليق” وكانوا أقرب إلى كتابة “تعبير كتابي” لاجتياز امتحان مدرسي، فانتهت كلها إلى الفشل وخسارة مئات الآلاف من الدنانير على مشاريع بلا أمل، لم يتعلموا شيئا من أصدقائهم في الجزيرة الذين بنوا قناتهم الجبارة على عقود الكفاءة بدل الصداقة.
رجال الأعمال ممن بدون انتماء، تبنوا مقولة الوزير الفرنسي الوقح برنار تابي: “ما جدوى شراء جريدة إذا كنت تستطيع شراء صحفي”،
Pourquoi acheter un journal quand on peut acheter un journaliste
كان أغلبهم يعتقد أنه، بعشرة أو عشرين أو حتى خمسين ألف دينار يستطيع أن يشتري، عند الحزة، “بلاتوه سياسي كاملا” في مؤسسات لا تدفع أجور صحفييها بدل الاستثمار في مشروع صحفي يدعي الاستقلالية والحرفية، في إطار نظرية الخلاص الفردي وكل واحد يسلكها لنفسه كما يريد وكما يستطيع لأنهم يعيشون في عالم بلا عدالة يقوم على الاحتكارات والمحاباة ووجوب التشحيم والدفع لكي تسير الأمور، كانوا يريدون أشخاصا موالين لهم في وسائل الإعلام ولا يرون أي مبرر للاستثمار في وسائل إعلام مستقلة وحرفية، النتيجة: استثمروا في مرتزقة الإعلام، بلا دين ولا ملة، فيهم من فشل في الانتخابات وفي السمسرة وفي كل المهن التي اختص فيها فانتقل إلى الإعلام في صيغة “بندقية للإيجار” بلا ضمير، حتى أني أتساءل بغضب: “ماذا لو سألوا كل الكرانكة والمقيمين في الإعلام التونسي دون وجه حق مهني عن ثرواتهم من أين اكتسبوها؟”، عن أموال تشغيل وسائل الإعلام، من أين تأتي وأين تذهب؟ إنما…
نحن نلنا ما نستحقه، حين يأكلك الذئب، تذكر أنك بعت رجال بلادك وأسودهم، واستثمرت في الزنوس.
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.