الثلاثاء 15 أبريل 2025
أبو يعرب المرزوقي
أبو يعرب المرزوقي

منطق التاريخ المديد أو مآل عنتريات ترامب وحماقات ناتنياهو

أبو يعرب المرزوقي

لعل الكثير من القراء لم يفهم قصدي بالتعبير عن فرحي بعودة ترامب وبقاء ناتنياهو ونظيريه من المتعصبين في حكم إسرائيل بل اكثر من ذلك رحبت بخطتهم في السعي لتوسيع مساحتهما على حساب أجوارها العرب وعدم لاكتفاء بما حازته بالتقسيم الذي تجاوزته إلى ما أضافته بالحروب السابقة.

ترامب ونتنياهو
ترامب ونتنياهو

ولما كانت “الشرعية” الدولية الوحيدة التي لإسرائيل لا تتجاوز تقسيم 47 فإن كل ما زاد عليه شبيه بما أعلنت عنه حاليا للتوسع الذي لم يكتف بتجاوز التقسيم خلال هزيمة العرب لسنة 48 وما تلاها من الهزائم العسكرية فإن اليأس الذي أدى إلى ما يسمى بالتطبيع وهو خاتمة كل الهزائم لأنها استسلام المهزوم الذي يجمل بتطبيع ما ليس طبيعيا أي التغطية على هزيمة إسرائيل لأنها لم تستطع في كل حروبها أن تفرض الاستسلام على الأمة.

فبفضل هذا الصمود قد عدنا إلى ما قبل تقسيم 47 وهزيمة 48 وما قبل احتلال الشام وقولة الجنرال الفرنسي الشهيرة. فيكون ما حصل قبل الطوفان دالا ليس على هزيمتها بل على مفعول سايكس-بيكو واقتصار كل محمية عربية على منطق جحا “اخطى رأسي واضرب” فإن ما يسعى إليه ترامب وناتنياهو سيكون بداية إلغاء هذا المنطق.

فهما يعلنان صراحة بأن كل المحميات المحيطة بإسرائيل -المتوسعة بلا حد- مستهدفة فيعود الفضل إلى ما حصل يوم الطوفان في فلسطين وما حصل بعده بقليل في الشام كلاهما له دلالة العودة إلى:

  1. نتائج الغاية للصليبيات في فلسطين والاسترداد الغربي في ذروة ضعف الأمة بسقوط الخلافة الأخيرة.
  2. ونتائج تقسيم الإمبراطورية الإسلامية في الشام الذي اعتمدت فيه خطة سايكس-بيكو.
  3. وحصيلة كلتا النتيجتين هي إحداث الأداة التي تعمق هاتين الهزيمتين أي وعد بلفور بمنطق التوسع الدائم.
  4. وما يفرحني أن التذكير بكل ذلك له إحدى النتيجتين الممكنتين عقلا. فإما تخلص العرب من منطق جحا ‘”اخطى رأسي واضرب” أو الاستسلام السريع بانتظار ما سيفعل بهم كما يخطط للفعل بغزة وبسورية.
  5. وفي الحالتين فإن دور الشعوب قد حان وهو سيكون طوفانا شاملا وربيعا عاما من الماء إلى الماء أي إن كل الأنظمة المستسلمة ستكون مثل النعجة وكل الشعوب التي لا تثور ستكون مثل فلسطين قبل الطوفان.

وبهذا المعنى فإني واثق من أن كل ما حدث ويحدث هو من مكر الله الخير أي إن كل هذه الأحداث التي حصلت والتي يهدد ترامب وناتنياهو بتوسيعها لها الفضل الكبير الذي يشبه إلغاء نتائج مرحلة الانحطاط التي مرت بها الأمة.

فالانبعاث بعد الانحطاط قد يدوم قرونا كثيرة أو قليلة: فما حصل في الصين وفي اليابان مثلا طال اكثر من انحطاط الأمة لأنها صمدت تقريبا ثلثي تاريخها فالانحطاط والتقسيم بدآ مباشرة بعد سقوط الخلافة الأموية وعودة الفتنة الكبرى التي فتتت وحدة الجغرافيا الإسلامية وبدأت تشتت وحدة التاريخ الإسلامي.

لكن راية الإسلام صمدت أمام عودة الفتنة الكبرى وصمدت إلى بداية النهضة التي مثلتها المدرسة النقدية لعلل الانحطاط بوضع نظريات إعادة البناء العلمي والخلقي أي بناء مفهوم المعرفة (ابن تيمية: نظرية المعرفة) ومفهوم الدولة (ابن خلدون: نظرية السياسة) فتمكنت من الانتصار على الفتنتين الكبرى واعدت للانتصار على الفتنة الصغرى.

نعم سقطت آخر خلافة لكن فشلت العلمنة والعلة هي صمود الرابطة الإسلامية التي من علاماتها تحرر تركيا منها ومثلها نشأة الدويلات التي تعرف هويتها بالإسلام مثل الهنود والمالاويين والأفارقة لأن تاريخها يستمد مقوماته من إسلامها لأنها بفضله نشأت.

كما أن مكر الله وبهذا اختم لأعلل اطمئناني بأن ترامب وناتنياهو سيفشلان وسيكون عملهما المهماز الذي حصيلته ثورتين أولاهما طوفانية والثانية ربيعية في كل كيان الأمة من الماء إلى الماء في قلبها وفي كل المعمورة بكل إثنياتها التي تتلاحم بفضل الإسلام والهدي القرآني.

فلا يمكن لترامب أن يحقق شيئا خارج أمريكا لأنه سيغرق في محاولة الإصلاح الذي استمد من الوعد به القرار الشعبي الذي أعاده إلى الحكم وهو أشبه بالحرب الأهلية التي قد تأتي على أمريكا بدلا من إحياء عنفوانها المتهافت.

وقبل ذلك وبعده فإن إسرائيل لا يمكنها أن تعتمد حقا بعد الطوفان على الغرب لأنه هو بدوره صار مفككا وعلى الأقل فإن حليفي أمريكا في أوروبا وفي آسيا لم يعد لهما ما يجمعهما بها لأنهما يعتبرانها خطرا عليها اكثر من كونها حليفا موثوقا.

وكل ما أتوقعه هنا سيحصل بالتهجير خاصة أو بعدمه. ذلك أن إسرائيل خسرت الحربين المادية وخاصة الرمزية بسقوط سردياتها في العالم كله وخاصة في الغرب وتلك هي ثمرة الطوفان وهي قد ساعدت من حيث لا تريد في إنهاء لعبة التخويفين منها ومن ايران.

وبذلك فرب ضارة نافعة.

فناتنياهو يتلاعب حاليا لمخادعة شعبه تأجيلا للمحاسبة التي هي آتية حتما ولن يستطيع استئناف الحرب حتى لو أراد لأن ترامب يكذب عليه فهو لا يستطيع خوض أي حرب من دون مساعدته لكنه عنده ما يشغله مع روسيا وأوروبا والصين ولن يستطيع حتى تجنب الحرب الأهلية إذا واصل ما يزعمه إصلاحا لدولته.

لكن الأهم من ذلك كله هو أن من كانوا من حكام العرب يعملون بمنطق جحا لم يترك لهم ترامب وناتنياهو ما يحفظ ماء وجههم فلم يبق لهم إلا الحلين اللذين وصفت: إما الانضمام إلى ثورة شعوبهم أو مآل نعجة دمشق. وذلك بفضل ثمرة الطوفان في غزة وثمرة الربيع في الشام.


اكتشاف المزيد من تدوينات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً

أبو يعرب المرزوقي

فرصة الحسم حانت وصارت سانحة: استراتيجية هزيمة العدو

أبو يعرب المرزوقي كيف؟ الأمر بين لأن مكر الله الخير يمدنا بفرصة لا تتكرر: فالغدر …

أبو يعرب المرزوقي

بداية الانتحار تهريج ناتنياهو وحمقه

أبو يعرب المرزوقي لما انظر إلى ما تُقدِم عليه إسرائيل حاليا في الشام وفي لبنان …

اترك تعليق