فتحي الشوك
للأمانة لا بدّ من الإشارة الى أنّ الرئيس المصري المخلوع الرّاحل حسني مبارك حينما اغتاظ لتلكّئ الزّعيم الفلسطيني الرّاحل ياسر عرفات وتردّده خلال توقيع مخرجات اتّفاقيات أوسلو المشؤومة في الرّابع من ماي سنة 1994 لم يصف أبا عمّار بالكلب بل بابن الكلب: “وقّع و خلّص يا ابن الكلب”، ذاك ما سمعه الجميع خلال حفل التّوقيع الّذي جرى بالقاهرة وما لاحظه الحضور من غضب مبارك وتوتّره وعجلته الّتي لم يستطع أن يخفيها لإتمام الصّفقة في انتظار قبض الثّمن!
وقّع وخلّص بمعنى وقوّة صيحة ذاك المذيع الرّياضي في نهائي أبطال أفريقيا سنة 2007 الٌذي جمع بين الأهلي المصري والنّجم السّاحلي التونسي وحسمه هدف ناري في الوقت بدل الضّائع على وقع صيحة المعلّق:”خلّصها…خلّص”.
لا أدري ما سبب المدلول السّلبي لوصف أحدهم بالكلب مع أنّها حيوانات أليفة جميلة ومحبوبة إلى جانب وفائها الّذي يضرب به المثل وإنجازها لبعض المهمّات الّتي قد يعجز الإنسان عن القيام بها!
من المدهش أنّ أبا عمّار لم يصدمه ما صدر عن أبي علاء ووقّع وخلّص وسط تصفيق الجميع واحتفالات أقيمت لتلك المناسبة ومن المدهش أنّ من أصابته الدّهشة هو الجانب المفاوض المقابل من لم يصدّق عينيه وهو يرى من كان يحمل البندقيّة وأردفها بغصن الزّيتون يتنازل عن البندقيّة ويرمي بغصن الزيتون ليقبض على السّراب.
لا شكّ أنّ سوزان قد استرضت ياسر ببعض العبارات وأرضت زوجته سهى بأصفار على يمين رصيدها من الدّولارات أو ربّما بطقم من المجوهرات، فأبناء الأحبة هؤلاء لهم طقوسهم ولهم أساليبهم في التّرضيات!
“خلّص، وقّع يا ابن الكلب” طفحت من صدر قائلها لتكشف مكنونه، قد يقصد بها الشّتيمة لكنّه في النّهاية تظهر ما يبطنه وهو يسقط على غيره ما يشعر به حقيقة، ففي الواقع كلّهم كذلك، كلّهم ومن سبقوهم ومن تبعوهم أبناء كلب، كلاب حراسة أوفياء في خدمة الوكيل والعدوّ الخارجي.
ما جعلني استرجع هذه الواقعة من تاريخنا المعاصر الملطّخ بالعار والخيانة هو تعثّر “أبناء الكلب” أصحاب الفخامة وعجزهم عن عقد قمة عربية في موعدها المقرّر في السّابع والعشرين من الشّهر الحالي ويا ليتهم يعجزون الى الأبد ففي نجاحهم هزيمة لنا نحن الشّعوب وانكسار آخر ونكبة جديدة.
والغريب أنّ 54 دولة إفريقية نجحت في عقد قمّة كانت القضيّة الفلسطينية في محور اهتماماتها لتصدر بيانا ختاميّا مناصرا ومساندا وكان ردّا شافيا ووافيا لترّهات ترامب وخزعبلاته، وكان من الممكن لأصحاب الفخامة العرب أن يستنسخوا بعضا ممّا جاء فيه لكن يبدو أنّهم يفتقدون لهرمونات “الرّجولة” لفعل ذلك.
خطّة النظام المصري
العميل المدعوم بقوّة من مستوطنة الإمارات الصّهيونية والنّظام السّعودي المتلهّف للتّطبيع يراد منها أن يقع تبنّيها عربيّا وتطرح كحلّ وحيد لإنقاذ القضية الفلسطينية وحماية الأمن القومي العربي وما هي إلّا خطّة لتصفية القضيّة الفلسطينيّة ولتثبيت الحكّام العرب على كراسيّهم وضمان أن لا تهتزّ أو ترتعش بعد إحساسهم برجّات وارتدادات طوفان الأقصى وهي تمسّهم.
كانت مهمّة ترامب أن يطلق تهديداته المنفوخ فيها لتهيئة الأرضيّة للخطّة الحقيقيّة وإثارة الذّعر وخلق حالة من المقبوليّة الرسميّة والشّعبية لأيّ خطّة بديلة يقع تمريرها كخيار وحيد لإنقاذ الموقف، موقف يصوّر على أنّه حرج للغاية خلقه خيار المقاومة ورعونتها ومغامراتها الطّائشة الّتي وضعت الجميع على كفّ عفريت، ولا سبيل للخروج منه إلّا بإسقاط خيار المقاومة، هكذا سيتكفّل “أبناء الكلب” بإنجاز ما عجز عنه “أصحاب الكلب”، الإعمار مقابل الاستسلام الكامل والتّام وإدارة عسكريّة وأمنيّة مصريّة لغزّة بتمويل خليجي وإعادة الإعمار بشكل لا يسمح بعودة المقاومة وترتيب صفوفها.
هذا ما يرنو إليه من سيقدّمون أنفسهم في قادم الأيّام على أنّهم منقذون وأبطال نجحوا في منع تهجير أهل غزّة مع أنّهم شاركوا سابقا في قتلهم وحصارهم وتجويعهم.
هم يحاولون فقط إنقاذ أنفسهم وكراسيهم ومصالحهم ويحاولون النّجاة ممّا تراءى لهم خطرا وجوديا وهو الطّوفان.
في يوم 1 يناير سنة 1970 انشدت فرقة أباة في بيروت: “سنعبر مثل خيط الشّمس .. لا حجب ستحجبنا” ليكتبها الأبطال بعد 55 عاما على منصّة تسليم الأسرى بالعربيّة والعبريّة والإنجليزية ولكن بصيغة جديدة، صيغة الماضي عوضا عن المستقبل: “عبرنا مثل خيط الشّمس”، لقد تمّ العبور، ووقع ما خشاه المستبدّون في الدّاخل والخارج، كسرت سرديّة الرّدع وكسر معه طوق الخوف وليس ما قبل الإشراقة كما قبلها، ليس ما قبل العبور كما بعده وليس ما قبل الطّوفان كما بعده.
نحن الطّوفان.
نحن اليوم التّالي.
ومن يريد أن يتكفّل بوظيفة المحتلّ وتحقيق ما عجز عنه في ميادين القتال فليتقدّم.
تلك كانت إجابة الرّجال على مكر أشباه الرّجال، أبناء الكلب وأصحابهم.
د. محمّد فتحي الشوك