أدهم شرقاوي
الأتراك عندهم مثلٌ شَعبيٌّ جميل يقول: إذا وصل المُهرِّجُ إلى القصر فإنَّه لا يتحوَّلُ إلى مَلِك، ولكنَّ القصرَ هو الذي يتحوّل إلى سيرك!
فأهلاً بكم في سيرك البيت الأبيض!
العربُ عندهم مثلٌ جميلٌ أيضاً يقول: من تكلَّمَ في غير فنِّه أتى بالعجائب!
![دونالد ترامب](https://i0.wp.com/tadwinet.net/wp-content/uploads/2025/02/%D8%AF%D9%88%D9%86%D8%A7%D9%84%D8%AF-%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D9%85%D8%A8.jpg?resize=618%2C353&ssl=1)
فلعلَّكم نسيتم حين اقترحَ دونالد ترامب في ولايته الأولى، حقن المصابين الكورونا بالكلور والديتول مباشرة في الوريد بدل تناولهم الأدوية!
فأهلاً بكم في عجائب البيت الأبيض!
الأمريكان أيضاً لا يخلون من ظُرفٍ في التسويق، صاحب محطة وقودٍ كتبَ إعلاناً يقول فيه: الوقود مجّانيّ في اليوم الذي لا يُدلي فيه ترامب بتصريحٍ غبيٍّ!
فأهلاً بكم في هذا العرض التجاريِّ الذي لن يحصل عليه أحد!
أصدقُ جملةٍ قالها دونالد ترامب في حياته: الهجرة غير الشَّرعيَّة تجلبُ معها المجرمين، والعنف، والمخدَّرات!
يصِفُ لكم فخامة المهرِّج حاله وحال أجداده!
كان الهُنود الحُمر، السُّكان الأصليُّون، يعيشون في أمريكا بأمان الله لآلاف السنين، يزرعون أرضهم، ويرعون ماشيتهم، ويكتبون الشِّعر، ويُنشدون الأهازيج حول النَّار في الليل، وأهم شيءٍ كانوا يفعلونه هو أنهم كانوا تاركين خلق الله في حالهم!
ثمَّ قرَّر الأوروبيون أن يُحوِّلوا بلاد الهنود الحُمر إلى مكبِّ نفاياتٍ بشريَّة! إذ نفُوا إليها المجرمين، والقتلة، واللصوص، والمغتصبين، والشَّاذين جنسيًّا!
في محاولة منهم لتطبيق قول جدّتي رحمها الله: الباب اللي بجيك منه ريح سِدّه واستريح!
ولكن الأوروبيين الذين تنقصهم حكمة جدّتي، لم ينتبهوا إلى تفصيلٍ صغيرٍ، أو ربما كبير: ماذا سيفعل هؤلاء المجرمين حين يصلون إلى هناك، وأي شرٍّ يمكن أن ينتج عن إطلاق قطيعٍ لم يرحم قومه من قبل!
أباد هؤلاء المجرمون وأحفادهم الذين تبنتهم أوروبا رسمياً بعد ذلك الهنود الحمر عن بكرة أبيهم، وسموا هذه الحرب التي استمرت طويلاً: بحرب الاستقلال!
ولا أحد يعرف حتى اللحظة عمَّن استقلوا!
هذا هو ببساطة تاريخ أمريكا، حفنة قتلة، أبادوا شعباً، وسرقوا أرضه، وأقاموا دولة!
ومن هؤلاء ينحدر ترامب، وعلى خطاهم يسير!
وبالعودة إلى تصريح ترامب الشَّهير حول حقن المرضى بالكلور والديتول، لا زلتُ أذكر وجه فاوتشي المدير السابق للمعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية، حين سمع هذا الكلام، ولا أدري ما الذي منعه أن يشدَّ شعره، ولكنه والشهادة لله تماسكَ كي لا يفعل!
الأمريكان، ساستهم وعسكرهم، لا يُفكِّرون بجدوى خططهم، ولا بمدى قابليتها للتطبيق، المهم عندهم أن يكون عندهم خطة!
يذكرونني بالذي تقدَّم إلى وظيفة محاسبة، وكان من متطلباتها القدرة على الحساب السريع للأرقام!
في المقابلة سألوه: هل تجيد الحساب السريع؟
فقال: طبعاً!
أعطوه رقماً كبيراً ليضربه برقم كبيرٍ آخر!
فأعطى إجابة في ثانية!
فقالوا له: الإجابة خطأ!
فقال: بغض النَّظر، ولكن ما رأيكم بالسرعة!
في الحربِ العالمية الثانية، قام أسطول غوَّاصات هتلر بتدمير أساطيل الحلفاء في المحيط الأطلسي!
آلاف السفن غرقت، وصار الحلفاء أمام معضلة حقيقية!
وبينما الأمر كذلك، وصل رجل إلى البنتاغون وطلب لقاء قائد الأسطول. وقال إن لديه فكرة لتدمير كل أسطول غواصات هتلر.
تم اصطحابه إلى مكتب الأدميرال المعني، فقال دون مقدمات: ما عليكم سوى غليَ ماء المحيط الأطلسي كله، وبحسب قوانين الفيزياء، ستطفو جميع الغواصات على سطح المياه فوراً. وعندما تصبح مكشوفة، يمكن تدميرها بسهولة، كما لو كانت بطاً في ميدان رماية. أمر بسيط وسهل!
قال له الأدميرال: فكرة رائعة، ولكن كيف يمكننا غليَ ماء المحيط الأطلسي كله؟
فقال له: هذه مشكلتكم أنتم، ليست مشكلتي. أنا فقط جلبت لكم الفكرة!
فكرة دونالد ترامب لتهجير أهل غزَّة، تُشبه إلى حدٍّ بعيد، فكرة غليَ ماء المحيط الأطلسي، لتطفو الغواصات، ويتم اصطيادها كالبط!
لا يهم مدى واقعية الفكرة، أو قابليتها للتنفيذ، والأهم مدى عدالتها!
المهم أنَّ المهرِّج البرتقالي لديه فكرة!
ترامب يتعامل في السياسة بمبدأ “البيزنيس”!
كل شيء يقيسه بمبدأ الاستثمار والرّبح!
البارحة مثلاً، أعلنَ أنّه سيغلق وزارة التعليم في أمريكا!
وعلل قراره العظيم هذا، بأن ميزانيتها ضخمة، بينما أمريكا تحتل المرتبة الأربعين عالمياً في جودة التعليم!
هناك مصطلح اسمه الإصلاح، لم يسمع به ترامب يوماً!
إذا ازدادت أعداد الوفيات في المستشفيات فإننا نُحاول أن نعثر على الأسباب، ونعالجها! لا يوجد عاقل يقول إن الحل هو إغلاق المستشفيات!
كثرة حوادث الطائرات، تُعالج بشيءٍ غير إغلاق المطارات!
الرسوب المرتفع في مرحلة دراسية ما، يضع له التربويون الذين يفهمون خططاً علاجية، ترامب أول ما يخطر له هو إغلاق المدارس!
تفكير ترامب قائم على مبدأ: نضحي بالأم والجنين، ثم نحتفل بنجاح العمليّة!
كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه من فقهه في السياسة، يشترط على ولاته عدم الجمع بين التجارة والولاية!
هو أول شخص في التاريخ انتبه لمخاطر أن تختلط السياسة بالبيزنس!
بينما ترامب انخرط في السياسة لأجل البيزنيس!
غزَّة لها موقع جغرافي مميز، ومناخ معتدل، ما المانع أن نقيم عليها منتجعاتٍ سياحيّة!
لا مانع، ولكن تبقى مشكلة صغيرة، غزَّة فيها مليوني إنسان!
الأمر بسيط، فليرحلوا!
إلى أين؟
الأمر بسيط أيضاً، بلاد الله واسعة!
ترامب الذي سرق أجداده وطناً، لا يعرف معنى الوطن!
لا يعرف أنّ الوطن ليس مجرد قطعة أرض، وأنَّ البيت ليس جدراناً فحسب، إنه تاريخ، وذكريات، ومشاعر، وانتماء!
ليست كل أرضٍ تصلح أن تكون بديلاً عن الوطن، لا لقلة تلك الأرض، بل لكثرة الوطن!
ولكن في البيت الأبيض الآن تاجر عقارات مهرِّج، فكان الله في عون هذا الكوكب الذي أصبح سيركاً!
أدهم شرقاوي / سُطور
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.