الأربعاء 19 فبراير 2025
توفيق بوعشرين
توفيق بوعشرين

تطلعوا إلى وجه الملك عبد الله… فيه كل شيء

توفيق بوعشرين

إذا أردت أن تعرف أحوال العالم العربي، ومستوى تردي أوضاعه، وتفكك نظامه، ومأزق قادته، فلا تفعل شيئًا سوى التطلع إلى وجه الملك عبد الله، وهو جالس قبالة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل يومين في البيت الأبيض…

ترامب مع ملك الأردن
ترامب مع ملك الأردن

وجه كالح، وقسمات مضطربة، وعيون تغلق وتفتح آليًا وكأنها غير مصدقة لما تراه. وطبعا، لسان معقود عن قول الحقيقة في وجه “الرئيس المعتوه”، الذي يطالب الأردن ومصر ودولًا أخرى باستقبال مليوني فلسطيني سيطردهم نتنياهو من أرضهم، ليبني تاجر العقارات فوقها “ريفييرا فلسطينية” موعودة…

مرحبًا بكم في “لاس فيغاس الشرق الأوسط”: أرض فلسطينية، وأموال خليجية، وكازينوهات، وفنادق أمريكية، والمالك الجديد إسرائيلي!

لم يقدر الملك عبد الله -كان الله في عونه- على أن يقول للرئيس الشعبوي بصراحة: “إنك تطلب مني الانتحار السياسي بضم مليون غزاوي إلى مملكتي، التي تعاني أصلًا من آثار اختلال ديمغرافي موروث عن النكبة الأولى لسنة 1948، حيث حاول جدي وأبي، وأنا، وبطرق شتى، إيجاد توازن سياسي بين أغلبية من أصول فلسطينية -وزوجتي رانيا واحدة منهم- وأقلية من أصول أردنية،
مع ضغوط اقتصاد ضعيف يعيش على المساعدات الدولية (أمريكا تصرف للأردن 1.3 مليار دولار سنويًا) في شرق أوسط هو عبارة عن بؤرة توتر لا تريد أن تهدأ منذ أن زرع البريطانيون إسرائيل في قلبها قبل أكثر من قرن وزيادة…”.

كل ما فعله الملك الهاشمي هو أنه اختبأ خلف مقترح مصري موعود بتقديمه في القمة العربية المقبلة (“استنجد غريق بغريق”).
عبد الفتاح السيسي هو نفسه عاجز عن إيجاد مخرج للهروب من ضغوطات ترامب عليه، لهذا أجل زيارته إلى واشنطن، لأنه لا يريد موقفًا مماثلًا لما لاقاه الملك عبد الله.
مصر تحصل من أمريكا على 1.4 مليار دولار سنويًا، وهذا المبلغ الهزيل لا يشكل حتى عشر دخل قناة السويس.

فلماذا يسكت القادة العرب على إهانات ساكن البيت الأبيض في حقهم، وحق شعوبهم، وحق قضاياهم المصيرية؟
لندقق فيما كتبه الصحافي الأكثر دراية بتعقيدات الشرق الأوسط في صحيفة “نيويورك تايمز طوماس فريدمان الذي كتب:
“خطة ترامب لتهجير مليوني غزاوي هي أقصر طريق بين التفكير خارج الصندوق والتفكير خارج العقل. إنها، أي الخطة، ‘أعظم هدية’ يمكن أن يقدمها ترامب لإيران لكي تعود إلى الشرق الأوسط من خلال إحراج جميع الأنظمة السنية الموالية لأمريكا.”

ما هو السبب في كون أعضاء فريق ترامب، رغم أنهم يعرفون أن رئيسهم مخطئ على طول الخط فيما يقترحه من “حلول سحرية” لمشاكل معقدة، يواصلون دعمه، رغم أنه لا يهدد فقط الغزاويين الصامدين فوق دمار قطاعهم، بل يهدد النظام الدولي كله بالعودة إلى النزعات الاستعمارية التي سادت القرن التاسع عشر، وقادت إلى حربين عالميتين خلفتا أكثر من 60 مليون قتيل ومآسٍ بلا عد؟

يجيب الصحافي الأمريكي اليهودي طوماس فريدمان مرة أخرى بالقول:
“إحدى كبرى المشاكل التي يعاني منها فريق ترامب هي أنه ينظر إلى الشرق الأوسط من خلال عدسة اليمين الإسرائيلي المتطرف والمسيحيين الإنجيليين، وأن كل ما يعرفه عن العالم العربي هو من خلال مجتمع المستثمرين في الخليج العربي. ولعلهم لهذا السبب ‘مغرمون تمامًا “برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو””
ترامب، سواء كان يدري أو لا يدري، يزعزع عروش الشرق الأوسط عبر إهانة حكامها أمام شعوبهم. تمامًا كما فعلت تسريبات “ويكيليكس” قبل انفجار “الربيع العربي” منذ حوالي 14 سنة، حيث ألقت معلومات البيت الأبيض السرية عن أنظمة العرب وقادتها وثرواتهم عود ثقاب على قش يابس، وسياسة يابسة، ومشروعيات محنطة، فكان ما كان…

الآن، يحرج ترامب حكام العرب بدفعهم إلى المشاركة في جريمة “تطهير عرقي” أو الدخول إلى غزة ومشاركة نتنياهو في “تنظيف غزة” وفق المنظور العنصري لنتنياهو. اختاروا:
إما أن تستقبلوا مليوني فلسطيني على أرضكم، أو تتدخلوا بجيوشكم ومخابراتكم وأسلحتكم وخبرتكم الأمنية إلى غزة، وتساعدوا نتنياهو على ما لم يقدر عليه بكل الأسلحة التي تدفقت عليه من المخازن الأمريكية الأكبر والأحدث والأغلى طاردوا من بقي من رفاق السنوار في الإنفاق وسلموا غزة نظيفة إلى نتنياهو !!!…
خياران أحلاهما مر، وكلاهما سيعصف بما بقي من استقرار هش في هذه البلدان، وسيؤدي إلى عودة تيارات الإسلام السياسي -المعتدلة، والأقل اعتدالًا، والأكثر تطرفًا- ومعها إيران، إلى واجهة الفعل السياسي الشعبي العميق في كل الدول العربية.

خاصة مع الفراغ السياسي المحيط بكل هذه الأنظمة (“الشرع وجبهته وبرغماتيته في سوريا تعطي نموذجًا ملهِمًا لكل هؤلاء وأولئك”)
إسرائيل تجر أمريكا إلى مستنقعات الشرق الأوسط وتوظف نفوذها القوي في واشنطن لخدمة أسوء أجنداتها…
يكفي أن نتطلع إلى صورة استقبال نتنياهو المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية في البيت الأبيض كأول رئيس يزور ترامب بعد إعادة انتخابه…
إسرائيل عنصر لا استقرار في كل المنطقة احذروا منها، ومن لوبياتها، ومن خدامها، ومن تجار شنطتها…
القضية الفلسطينية كقضية إنسانية أولا وكقضية تحرر ثانيا وكقضية عدالة ثالثا قضية متجذرة في وجدان الشارع العربي والإسلامي.

المسلمون يقرؤون على طول وعرض مساجدهم الآية الكريمة التي تقول (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيه من آياتنا انه هو السميع البصير)
سواء اقتنع حكام العرب ونخبهم المتنفذة بهذه الثقافة العميقة لمجتمعاتهم أو اختلفوا معها نتيجة التكوين والتوجه، فإنهم مطالبون باحترامها، وإيجاد سبل ذكية وحكيمة ومتوازنة بين المبادئ والمصالح في سياساتهم الخارجية وفي علاقتهم بأمريكا.

خاصة عندما تصبح القوة الأولى في العالم في خدمة اليمين الديني الإسرائيلي المتعصب…
احذروا النار قريبة من الحطب اكثر مما تتحمل سلامة الأوضاع في المنطقة،،، منطقة مازالت أنظمتها خارج نادي الديمقراطيات حتى الهجين منها…


اكتشاف المزيد من تدوينات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً

نور الدين العلوي

شارع عربي بلا قيادة

نور الدين العلوي علمنا درس الطوفان، بل ذكرنا أمرا نعرفه أن الأنظمة العربية تمقت فلسطين …

فتحي الشوك

السّاحر الأبيض و ريفيرا الشرق الأوسط

فتحي الشوك “غزّة يمكنها أن تصبح ريفيرا الشرق الأوسط وأتوقّع أن تكون للولايات المتّحدة ملكيّة …

اترك رد