الثلاثاء 15 أبريل 2025
فتحي الشوك
فتحي الشوك

لا يواجه هذا “الجنون” إلّا بقدر من التحدّي المجنون

فتحي الشوك

بعضهم لم تستفزّهم تصريحات ترامب الوقحة والفجّة بقدر ما أثارتهم كلمات أحمد داوود أوغلو بشأن غزّة ومستقبلها، مع أنّ ترامب رئيس أكبر إمبراطورية على ظهر البسيطة وأحمد داوود أوغلو مفكّر ورئيس حزب معارض في تركيا، وبالرّغم من قرب تركيا لغزّة وبعد أمريكا عنها تاريخا وجغرافيا.

أحمد داوود أوغلو
أحمد داوود أوغلو

صحيح أنّ ترامب صفيق ووقح ومنتفخ بجنون العظمة لكنّه واضح وصريح وهو الوجه الحقيقي لمنظومة الاستعلاء والهيمنة الأطلسية الأمريكيّة الصهيونيّة حينما أسقطت قناعها ونزعت قفّازاتها لتتصرّف كما هي بمباشراتية صادمة وموجعة دون بروتوكولات أو ڨاسلين أو مسهّل للهضم.

لا يمكن اعتبار ترامب مجنونا أو غبيّا أو شعبويّا تافها وما يقوم به هو من قبيل الهرطقة والعبث والطّنين، ولا يمكن الإستهانة بما يخطّط له فهو بصدد إعادة تشكيل العقول قبل إعادة رسم الخرائط والحدود.

ما يطرحه من أفكار قد تبدو مستحيلة أو غير قابلة للتّطبيق هو مقصود وضمن استراتيجية فريق عمله وفقا لنظريّة الدّخان والمرايا ونظريّة إغراق السّاحة والسّيطرة عبر الفوضى ثمّ تثبيت السّردية المفروضة بالقوّة، بحيث يصبح ما كان غير مقبول وغير قابل للنّقاش مستساغا ويناقش، هو أحد أشكال التّطبيع المختلف عمّا كانت تمارسه الإدارة السّابقة بوضوحه وسرعته وعمق أثره.

“سوف امتلك غزّة ولا أشتريها فليس فيها شيء يشترى”

هكذا وجّه ترامب كلماته الى ملك المملكة الأردنية الهاشمية وهو يتحدّث عن غزّة هاشم، فيكتفي الأخير بالهمهمة وترميش العينين وضمّ الشفتين وفرك اليدين والتململ في مقعده وكأنّه جالس فوق خازوق، موقف مذلّ ومخز أصرّ ترامب على أن ينقله على المباشر بحضور الملك ووليّ عهده الأمير الوسيم في رسالة مباشرة لأن تكون هذه السّلالة في خدمة مشروع الوكيل الخارجي كما كانت دوما.

موقف يرشح مهانة وإذلالا أراد الجنرال السّيسي دكتاتور ترامب المفضّل أن يتفاداه بمحاولة التهرّب من زيارة قد يحصل له فيها ما لا يحمد عقباه!

كان من الأجدى أن يواجه عاهل المملكة الأردنية الهاشمية ترامب بتذكيره بأنّ غزّة تكنّى بغزّة هاشم وهو أقرب إليها من نصف ألماني نصف إنجليزي مهاجر، وكان الأصوب للسّيسي أن يذكّر هذا المتصلّف المتعجرف المتكبّر بأن غزّة كانت مصرية قبل أن يتنازل عنها العسكر الفاشل وأنّه الى يومنا هذا لا تستطيع التّفريق بين ساكن رفح المصرية أو رفح الفلسطينية!

كان من الممكن أن يواجهوا ما يبدو جنونا لترامب بجنون مقابل فذاك عين العقل، لكن من أين لهم هذا العقل؟

كان بإمكانهم مواجهة فتوّته وبلطجيته باستحضار فتوّة أهل الشّرق وحاراته العتيقة الأقدم من أعرق مدينة في الولايات المتّحدة، لكن من أين لهم بجرعة “رجولة” وقد جبلوا على الخيانة والعمالة والدّياثة؟

الإجابة على ما يطرحه ترامب هو ما قام به الدّنماركيون بطلب شراء كاليفورنيا مقابل رغبته في تملّك غرينلاند، وهو ردّ جنوب أفريقيا على تحرّشه بها، وهو ردّ الكنديين بمقاطعة البضائع الأمريكيّة، وهو كذلك ردّ رئيسة المكسيك الّتي تمتلك من الشّجاعة والمروءة والرّجولة ما لا يمتلكه حكّامنا العرب مجتمعين!

وهو جواب أردوغان بإلزام الاحتلال بدفع تكلفة إعادة إعمار غزّة وهو ردّ أحمد داوود أوغلو بطرح فكرة ربط غزّة بتركيا بعد القيام باستفتاء في انتظار قيام دولة فلسطينيّة.

لا يواجه هذا الجنون إلا بقدر من التحدّي المجنون، عصا السّنوار الّتي لم ولن تسقط وسبّابة الملثّم.

د. محمّد فتحي الشوك


اكتشاف المزيد من تدوينات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً

فتحي الشوك

القادم أسوأ إن لم نتدارك الأمر

فتحي الشوك لخبطة وهفوات اتصالية وسقوط في جبّ نظرية المؤامرة الّتي غالبا ما تستعملها السّلطة …

نور الدين العلوي

تفريغ الطوفان من زخمه

نور الدين العلوي خطة ترامب بالتهجير بدت غير قابلة للتطبيق على الأرض، ومع الإفراط في …

اترك تعليق