الأربعاء 19 فبراير 2025
خليل العناني
خليل العناني

الارتباك الإقليمي ومكر التاريخ

خليل العناني

جزء من الارتباك الحاصل حاليا في المشهد الإقليمي هو موقع الإسلاميين في المعادلة ومواقف الدول العربية منهم. فحتى وقت قريب كان الإسلاميون بمثابة العدو المشترك الذي يجمع الأنظمة السلطوية بالمنطقة مع الكيان والإدارة الأميركية، وذلك في اطار الحرب المتهافتة والمفتعلة على الإرهاب والتي استفاد منها واعتاش عليها أمراء الحرب لوبيات السلاح والسياسيين المتحالفين معهم شرقا وغربا (تكلفة الحرب على الإرهاب أمريكيا وصلت حوالي 5.5 تريليون دولار خلال عقدين). وقد نجح هذا التحالف الثلاثي في إجهاض مساعي وحلم الديمقراطية بالمنطقة عقب الربيع العربي.

الإسلاميون
الإسلاميون

الآن تراجعت بشكل واضح أهمية هذه المعركة خاصة بعد الضربات التي تلقاها التيار الإسلامي في اكثر من بلد سواء عبر القمع والقتل والتشريد (مصر وتونس والسعودية والإمارات) أو عبر المشاركة المحدودة والتدجين (الأردن والكويت والجزائر والمغرب) أو عبر إشغالهم بحروب ونزاعات أهلية (اليمن وليبيا والسودان).

بل الأكثر من ذلك وصلنا إلى نقطة يتم فيها حاليا التعايش مع (ولو مؤقتا) ومحاولة دمج (وربما لاحقا تدجين)، التيار الإسلامي في سوريا عبر أحمد الشرع وهو القادم من أقصى يمين التيار الإسلامي. كل هذا يحدث مع ضربات وتراجع لإيران وحلفاءها في المنطقة (ولو مؤقتا).

فما الذي يحدث؟

بدأت التشققات والاختلافات تظهر في محور “الممانعة الصهيوني” الذي يرفض الديمقراطية والحرية وكل شيء يتعلق بكرامة المواطن العربي وسقطت ذرائعه حول (خطر الإسلاميين) و(الخطر الإيراني) بعد تراجع كلا الخطرين كما أسلفنا.

أصبحت السعودية اكثر براجماتية وأخذت مسافة من حليفيها في محور الثورة المضادة (الإمارات ومصر) وتراجعت ولو نسبيا عن القمع الشامل للإسلاميين بل وتحالفت معهم في اليمن وسوريا وصححت العلاقة مع ايران وتركيا وقطر (حلفاء الإسلاميين).

ومصر وجدت نفسها وجها لوجه مع تحولات إقليمية ودولية متسارعة أحدثها (الطوفان) فارتبكت وتخبطت ووقعت في حسابات خاطئة عديدة كان أهمها وأفظعها التواطؤ في المشروع الصهيوني للإبادة انطلاقا من نفس الحسابات القديمة الخاصة بمحاربة الإسلام السياسي الذي كان بالفعل قد ضعف وتراجع خطره بشكل كبير.

وأصبحت الآن حرفيا، ويا للمفارقة، في مواجهة اثنين من أهم حلفاءها (الكيان وأميركا) اللذين يضغطان بكل قوة لتنفيذ مخطط التهجير عبر الإهانة (حديث نتنياهو الأخير عن السيسي في فوكس نيوز) والتهديد والابتزاز من ترامب (بقطع المساعدات الأميركية ما لم تقبل بالتهجير) والان النظام المصري في موقف حرج ومأزق شديد خاصة بعد أن ورطها ملك الأردن وألقى بالكرة في ملعبها كي تبحث عن مخرج.

والان يقف النظام عاريا أمام اثنين من حلفائه الأهم رغم الخدمات الجليلة التي قدمها لهم ولا يزال. فلو رفض التهجير كليا قد يُعاقب، ولو قبل قد يضع نفسه في مواجهة المجهول داخليا. لذلك يحاول حاليا النفخ في إناء الوطنية الزائفة لشحذ الجمهور خلفه لمواجهة، وللمفارقة مرة أخرى، حليفيه الأقرب (ترامب ونتنياهو) وذلك بعد أن فرغ وسقط إناء المواجهة مع الإسلاميين وفقد مبرراته.

أما إقليميا اضطر النظام مجبرا ومكرها أن يقبل بالتغيرات الأخيرة في سوريا وبالتحول السعودي تجاه القيادة الجديدة هناك، وقريبا سوف يُستقبل أحمد الشرع في القاهرة ويُرحب به في القمة المرتقبة وسوف يُنادى بالسيد الرئيس.

والأردن اضطر للعودة إلى لعبته القديمة مع الإسلاميين عبر الدمج المحدود بهدف امتصاص الغضب الشعبي من موقف الـنظام من الإبادة والتماهي مع المشروع الصهيوني ضد المشروع الإيراني. والان أيضا يقف النظام عاريا أمام حليفيه الأهم قاطبة وهما (الكيان وأميركا) وهو محشور في الزوايا تماما كنظام السيسي، وهو ما وضح في المؤتمر الصحفي لملك الأردن مع ترامب.

كما أنه أيضا مضطر للتعامل مع القيادة “الإسلامية” الجديدة في سورية والقبول بها ولو مؤقتا وقريبا سوف يرحب بها ويثني عليها سواء في عمّان أو دمشق.

أما ذيل الأفعى (الإمارات) فلا تزال غارقة في غيها وضلالها القديم مرتمية في أحضان المشروع والحلم الصهيوني الكبير، وسوف تصحو منه قريبا حين ينقلب عليها كما انقلب على صاحبيها في مصر والأردن.

وهذا هو مكر التاريخ ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله.


اكتشاف المزيد من تدوينات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً

نور الدين العلوي

حداثيون ضد الديمقراطية في تونس

نور الدين العلوي توجد حالة من الجرب الفكري تخترق مكوّنات الطبقة السياسية التونسية تجعلهم يحكون …

نور الدين العلوي

لا ديمقراطية في تونس دون النهضة

نور الدين العلوي وجود حزب النهضة في تونس، بصفته التعبير الأشد وضوحا والأكثر تماسكا عن …

اترك رد