الأربعاء 5 فبراير 2025
فتحي الشوك
فتحي الشوك

السّاحر الأبيض و ريفيرا الشرق الأوسط

فتحي الشوك

“غزّة يمكنها أن تصبح ريفيرا الشرق الأوسط وأتوقّع أن تكون للولايات المتّحدة ملكيّة طويلة الأمد فيها”

اجتمع إثنان، لكنّهما واحد، أحدهما نصف ألماني نصف إنجليزي حفيد قتلة مائة مليون إنسان والثّاني أشكنازي بولندي مصنّف مجرم حرب، تعانقا وابتسما وقرّرا ببساطة تغيير مستقبل منطقة ومصير إنسان.

من إعجاز اللّغة العربيّة أن لا يوجد ترادف محض وكلّ اسم وإن رادف غيره فلا بدّ أن يختصّ بمعنى، وقد تجد صعوبة في وصف شعور ما واختيار الكلمات المناسبة المعبّرة عن المكنون والمبيّنة للمقصود.

دونالد ترامب
دونالد ترامب

وما أكثر هذه الوضعيات في وقتنا المعاش حين تمتزج كآبة الحاضر بمرارة الواقع مع قتامة الآت.
بماذا سنصف شعورنا إن بقي لنا قدرة على الشّعور؟
المهانة، الإذلال، العجز، بل ربّما هو خليط من ذلك ممزوج بالقهر، فالقهر كلمة عربيّة لا يوجد لها مرادف دقيق في اللّغات الأخرى ويبقى القهر عربيّا أصيلا.

اجتمع إثنان، لكنّهما واحد، أحدهما نصف ألماني نصف إنجليزي حفيد قتلة مائة مليون إنسان والثّاني أشكنازي بولندي مصنّف مجرم حرب، تعانقا وابتسما وقرّرا ببساطة تغيير مستقبل منطقة ومصير إنسان.
لم يكفهما قصف الشّجر والبشر والحيوان وتدمير البنيان، لم يحقّق إشباعهما إمطار منطقة صغيرة من العالم قد تكون أصغر من ضاحية مدينة كبيرة من مدنهم بما يعادل أربع قنابل نوويّة كتلك الّتي ألقوها على هيروشيما، ليعلنا عن قرارهما بإطلاق قنبلة خامسة ربّما أكثر فتكا وأشدّ تدميرا تحقّق ما لم يتحقّق بالقنابل السّابقة.
ما لم يتحقّق بالقوّة النّارية المتوحّشة وارتطم بجبل الصّمود الأسطوري لشعب الجبّارين طيلة خمسة عشر شهرا، هل يمكنه أن يتحقّق بألاعيب السّاحر الأبيض وكاتبه البولندي ميليكوفسكي؟

قد يبلغ غرور المرء بذاته درجة قد تحوّل ذكاءه الحادّ إلى غباء مفرط وحمق ولن تجد أكثر صدقا في وصف ترامب ما قالت عنه أمّه ماري آن: “نعم إنّه أحمق لا يتمتّع بأيّ قدر من الحسّ السّليم، ولا يمتلك أيّ مهارات اجتماعيّة، لكنّه ابني أتمنّى أن لا ينخرط في السّياسة أبدا، سيكون كارثة”.

هذا الّذي لا يتمتّع بأيّ قدر من الحسّ السّليم، التّاجر، المقامر، المغامر، المنتفخ بجنون العظمة، المتعجرف، المتغطرس، لا يمكنه أن يشعر بما يحسّ به أيّ إنسان سليم، فكيف له أن يفهم أو يتذوّق شعور الحبّ والانتماء؟
وكيف له ولخادمه أن يفكّّكا شفرة سرّ التحام الإنسان بأرضه والتصاقه بها كالصبّار والزّعتر والزيتون بل كحبّات بذور ممزوجة بالثّرى، وكيف له أن يفهم وشائج الوصل بين تلك الأرض والسّماء؟

أجابتهم تلك الجموع الّتي لم يشهد لها العالم مثيلا وهي تعود زحفا لتعانق الحطام والّتي رسمت ملحمة صمود بالدّموع والدّماء ولم ترفع طيلة خمسة عشر شهرا الرّايات البيضاء ولم تركع إلّا لربّ الأرض والسّماء.

هذا الّذي لا يمتلك حسّا سليما أحسّ ولغرابة الصّدفة بمأساة غزّة وهو ومن معه ومن سبقه، من كانوا سببا فيها، فأخرج من جعبته ما يعتبره حلّا وحيدا وهو أن يموت هؤلاء مرّتين فموتة واحدة لم تكف لدفن القضيّة.

هذا الأرعن الّذي يعتقد أنّ الكيان المزروع في قلب الأمّة هو بحجم قلم صغير مقارنة بمكتبه الكبير وهو في حاجة لأن يزداد حجما حتّى يناسب توقيعه الضّخم على قراراته!

التهجير
ريفيرا الشرق الأوسط

“غزّة يمكنها أن تصبح ريفيرا الشرق الأوسط وأتوقّع أن تكون للولايات المتّحدة ملكيّة طويلة الأمد فيها”

هكذا يمنح من لا حقّ له ملك ما لا يحقّ له، وهكذا تلوى عنق الحقيقة وتبنى السّرديات الكاذبة لتفرض بالقوّة الغاشمة.
لا يمكن التّعويل فقط على صمود الشّعب الفلسطيني فهذه القنبلة أشدّ من جميع القنابل السّابقة، ولا تكفي بيانات التنديد والخطابات العكاظية الرّافضة، ولا بدّ من هبّة رسميّة وشعبيّة هادرة وفاعلة.

ترامب لم يكن ولن يكون اله و ميليكوفسكي لم يكن ولن يكون رسوله، وما يكتبه وما يوقّعه ترامب بقلمه ميليكوفسكي لم يكن ولن يكون قضاء وقدرا، واجهوا ما اعتبرته أمّه كارثة لأنّه فعلا إن لم يواجه ستستفحل الكارثة وتصبح كوارث.

وما يجري من تسارع في العلوّ والغلوّ، وإيغال في الظّلم وتعسّف وتسلّط وقهر قد يكون جرّا لهم الى حافة الهاوية وقد تكون لهم القاضية.

د. محمّد فتحي الشوك


اكتشاف المزيد من تدوينات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً

فتحي الشوك

طوفان الحبّ و قيامة الإنسان

فتحي الشوك ما نسمعه سمفونية رائعة بنوتات مبتدعة وبميزان جديد، مزيج من الموسيقى السّاحرة المندلقة …

فتحي الشوك

هنيئا لكم سادتي أهل غزّة

فتحي الشوك كيف لا نفرح لفرحة ذاك الطّفل؟ ومن ذا الّذي يستطيع أن يشكّك في …

اترك رد