مقالات

مكر الله الخير ما علاماته الحاسمة؟

التطبيع والشرق الأوسط الجديد

أبو يعرب المرزوقي

صارت اللعبة بالمكشوف: وهو المقصود بالتطبيع والشرق الأوسط الجديد. ولكن في شكل مختلف عن استعمال القوة المباشرة بعد تبين فشل الغرب والشرق كلاهما في تطويع الشعوب.

الشرق الأوسط الجديد
الشرق الأوسط الجديد

الثابت أن عبارة “مكر الله الخير” فيها ما يصف بعض أفعال الله بكونها دالة على المكر حتى وإن نزهته عن الشر الذي يغلب على المكر الإنساني. وهو بلغة قرآنية من المد للإنسان في شر مكره عندما يتذاكى فيتصور نفسه غبا يخدع المغفلين.

فيكون مكر الله الخير هو جعل المخادع لا يخدع إلا نفسه. وذلك ما حاولت بيانه في حالتين عبرت فيهما عن فرحي أولاهما قضت على استراتيجية التخويفين تخويف بعض العرب بإيران لتحتموا بإسرائيل والغرب (الخليج) وبعضهم الثاني بإسرائيل ليحتموا بإيران وروسيا (الهلال).

ورغم سيطرة هذه اللعبة في المشرق العربي فإنها تعمل كذلك في المغرب العربي بسبب تطبيق الغرب والشرق وذراعيهما نفس السياسة فيه إذ فيه ما يشبه التوابع للهلال والتوابع للخليج كما هو بين لمن يحلل بدقة ما يجري فيه.

مكر الله الخير في هذه الحالة الأولى هو أن الذراعين -إيران وإسرائيل- تصورا نفسيهما قد بلغا الغاية فصارا يتنافسان على تقاسم الغنيمة فهدما بعضيهما البعض ومكنا الشعوب من فهم اللعبة التي افتضحت وفضحت معها الأنظمة التابعة لهما فتوصلنا الآن إلى علة الفرحة الثانية.

صارت اللعبة بالمكشوف: وهو المقصود بالتطبيع والشرق الأوسط الجديد. ولكن في شكل مختلف عن استعمال القوة المباشرة بعد تبين فشل الغرب والشرق كلاهما في تطويع الشعوب.
بدليل هزيمة الغرب ووعيه بضرورة الخروج من المعارك المباشرة الخاسرة واستعمال سياسة جديدة رمزها هو ترامب الأول وخاصة الثاني.

هزيمة الذراعين أو بالأحرى تهديم قوتهما المتبادل خلال الخصام على قسمة الغنيمة آل إلى تقدم من كان وراؤهما ليؤدي بنفسه دور التهدئة والتفرغ لما هو أهم في رهانات النظام العالمي الجديد.

وهذا هو الدور الذي يريد به ترامب مخادعة المسلمين وخاصة العرب والأتراك. وبذلك افهم ما يحصل من تعامل مع الطوفان في فلسطين والربيع في سوريا مباشرة ومع العرب في الأول ومع تركيا في الثاني:

يعني شبه ترضية شكلية بإيهام تركيا بأنه ستطلق يدها في الشام والعرب في فلسطين للتمكين من بناء دولتين مسالمتين قد تطبعان هما بدورهما.

  1. والغطاء هو التخلي عن قصد في الأولى بوعد إعادة وحدتها.
  2. والتخلي عن اليمين في غزة بوعد إعادة بنائها.

فتكون الحيلة التي قد تغطي عن التهجير هي الإخلاء المؤقت لإعادة الإعمار بين 10 و 15 سنة. والرمز هو تكليف احد رحال أعمال الإعمار ممثلا لترامب بالهدنة الحالية ومراقبة تحقيقها وتقييم كلفة الإعمار.

وما يفرحني هو أن هذا المقترح الذي اعلم أنه خدعة لا يخدع إلا أصحابه. وفي ذلك مكر الله. فسواء فرض بالقوة أو قبل طوعا فإن النتيجة في الحالتين وخيمة على أصحابه وليس على فلسطين:

  1. فإذا فرض بالقوة كان إعادة الوضعية إلى أصلها أي أن مشروع إسرائيل الكبرى لم يعد قضية تهم فلسطين وحدها بل كل من يحيط بها. وهو ما يعسر أن يقبل به المحيط أولا.
  2. وهو ثانيا ما سيعود بالقضية إلى ما قبل 48 والتقسيم وتصبح القضية ليست فلسطينية بل عربية لأنها تمش مصر والأردن والسعودية وسوريا ولبنان على الأقل: لأن إسرائيل الكبرى تشمل كل هذه الدول وحتى العراق وتركيا.

ومن خسر الحرب مع فصيل صغير مثل حماس لن يستطيع ربح الحرب مع العرب بعد أن صار الحكام انفسهم مضطرين للاسترجال لأن المذابح تكون قد تعربت و”الدق في الدربالة” (مثل تونسي يعني الضرب في اللحم الحي).
وهم الآن ليسوا عزلا كما كانوا في حرب 48. لذلك فإني استبعد هذا السيناريو وليس ذلك لأخلاق الحكام بل لأن الأمر يتعلق بوجودهم.
إذ إن حصور الفلسطينيين المهجرين أولا وتمدد إسرائيل إلى المدينة في السعودية وإلى النهر وراء الأردن وإلى النهر في مصر وإلى حدود تركيا في الشمال.
كل ذلك لا يمكن أن تتحمله الأنظمة لأنها بالطبع ستفقد كل استقرار وتكون مشاركة في الحرب والفوضى رغم انفسها. وطبيعي أن ذلك سيجعل حال سوريا التي خرجت منها هي مستقبل كل بلاد العرب أي إن جيوشها ستستبسل بالشعب المحرر لنفسه منها قبل الأعداء لأنها من أدواته.

السيناريو الثاني هو التهجير الطوعي بحجة إعادة البناء ثم العودة إلى غزة بعد إتمامه خاصة والمكلف الحالي من تجار المعمار فيكون ذلك شبه دليل على حسن النوايا. وطبعا -لا احد يصدق المافيات الغربية- لكن لا بد من الرد على الخب بما يحول دون خداعه:

  1. إذن لا بد من بيان الغاية من إعادة البناء: هل هو لدولة فلسطينية؟ حسنا ابدؤوا بالاعتراف بها وتمكين قادتها التعاقد مع من سيتولون إعادة البناء بما يراه أصحاب الدولة التي تكون قد صارت صاحب التعاقد معهم بشروط تجارية يكون الجميع فيها رابحا.
  2. لا بد من بيان الحلف الجديد بين أهل الإقليم والغرب من أجل عقد جنيس للتعاقد مع الشرق الأقصى -اليابان وكوريا الشمالية وحتى الفياتنام والهند لبناء نظام عالم جديد بمعاير التعاون بين الشعوب والديمقراطية فنكون منهم وليس رهان تنافسهم.

طبعا هذا يعني أن الغرب يكون قد وصل إلى قناعة أن الاستئناف بات حتميا سواء قبل به طوعا أو فرض عليه كرها لأنه لا يمكن أن يصمد أمام العالم كله إذا واصل وهم الظن بأن المسلمين يمكن بعد الآن أن يكونوا على هامش التاريخ العالمي: فالجغرافيا السياسية الحالية هي عين الجغرافيا السياسية التي كانت دار الإسلام قبل هزيمتنا التي تواصلت بين القرن السادس عشر ونهاية القرن العشرين.

وإذا كنت أنا انطلاقا من منظور الإسلام واستراتيجيته الكونية أتوقع ذلك بمجرد الحدس أولا ومنحنى تاريخ الأمة ثانيا واستحالة انهزام الإسلام ثالثا ليس عقدا فحسب رابعا بل لأني اعلم أبعاد التاريخ الخمسة الدالة عليه قرآنيا.
فإن الغرب الذي خسر كل معاركه ضدنا يدرك حتميتها وهو مضطر في الغاية للاعتراف بها بعدما تبين للغرب استحالة أن ينجح معنا كما نجح مع السوفيات: فالإسلام ليس أيديولوجية إنه عقيدة أمة لا يمكن أن تهزم أبدا.

نحن اليوم في وضعية لا تختلف عن وضعية أوروبا بين القطبين الأمريكي والصيني بحيث إن الحلف الممكن بين الواعين من النخب الأوروبية وحتى الأمريكية وبيننا بات ممكنا ليس للحرب على الصين بل لبناء نظام عالمي جديد تطبق فيه البشرية ما نصح به القرآن في الآية الأولى من النساء وفي الآية 13 من الحجرات. بذلك يتأكد أننا حقا شهداء على العالمين: وتلك هي ثمرة مكر الله الخير.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock