إنتاج إعلام جدير ببلادنا

إلى أن أصبح الوضع كما ترون

كمال الشارني 

إطلاق أول إذاعة حرة من سركونة تحت حماية عسكر فضلاوة وورغة وتربية كلب يحسن الكلام،

في زمن بورقيبة كان لدينا إعلام مناضل، فيه ما سمح به النظام لكن ضيق عليه، جريدة الرأي مثالا، عدة منشورات سرية أخرى بعضها كان يطبع في القراجات المهجورة (المستودعات المهجورة) على الستانسيل ويروج “تحت الكبوط” (تحت المعطف)، زمن بن علي ضيق تماما على الإعلام المناضل وحول الباقي إلى زبائن يعطيهم “رخص صحف” مع الحق في ورق الطباعة وانخراطات مؤسسات الدولة وفلوس الإشهار العمومي مقابل مدحه وشتم معارضيه وتخوينهم والمشاركة في مهرجانات الولاء التي يقيمها كل انتخابات.

إعلام مناضل

آخر زمن بن علي ظهر إعلام الإنترنيت، نشر بلاغات المعارضة وبعض المدونات التي تنتقد الوضع ثم ظهرت منصة فايسبوك لتبادل 99 بالمئة من أخبار البلاد التي تمنع نشرها وسائل الإعلام الرسمية.

بعد الثورة، لم يعد هناك أي مبرر لإعلام مناضل وانتهى نظام الرخص وعملنا المرسومين 115 و116 وانتهى تدخل الدولة في الإعلام وخسر الرئيس الباجي قايد السبسي قضية عدلية رفعها ضد مدون، باهي؟ لكننا فشلنا في إنتاج إعلام وطني جدير ببلادنا، اكتشفنا أن وجوه اللوح نفسها التي تمعشت من زمن بن علي ما تزال تحكم الإعلام وتفرض علينا تحالفاتها مع لوبيات الفساد والثورة المضادة التي أنتجت بعض أفسد ما يمكن إنتاجه إعلاميا، دمرت الذاكرة والذوق والوعي العام، أيه؟

أنا وبعض الزملاء، جربنا منذ 2012 أن نصوغ مشروع مؤسسة إعلامية تبدأ متواضعة لكي تكبر على أسس صحيحة: جريدة ورقية أسبوعية من 32 صفحة تقوم على عشرة صحفيين محترفين مع موقع على الشبكة، كنا نطلب تمويلا لنصف عام فقط مع تطوير المشروع بعد نصف عام نحو إذاعة مرئية ثم قناة تلفزية في وقت لاحق، وصلت أن أقول لمن يوافق على سماعنا من رجال الأعمال: “أنت تريد ربح الفلوس ونحن نعرف كيف يتم ذلك”، تماما كما يعرف الطبيب الجراج كيف يربح الكلينيك، نحن واثقون من أنفسنا: بعد نصف عام فقط، نتعهد لك، سواء بإرجاع أموالك أو تدخل معنا في الربح شريكا مؤسسا، الأغلبية المطلقة ممن تحدثنا معهم كانوا يفضلون الاستثمار عند الحاجة في “الأشرار المشهورين” بدل المغامرة مع صحفيين لا يعرفونهم، لا يتصورون أصلا أن ثمة شيئا اسمه الكفاءة المهنية، يقولون إن أهل السلطة يفضلون سماع هؤلاء الأشرار والسهر معهم ويحلمون بالحضور في برامجهم، طبعا: أي بنكاجي تعرض عليه الفكرة يسألك فقط إن كان لديك عقار للرهن “يجب أن تفوق قيمته 500 ألف دينار” لأن عمولات الاختبارات والفوائد ومصاريف القرض لا تقل عن خمسين ألف دينار، وهكذا ماتت فكرة “دينار الصحافة المحترفة” في النفاس على رأي جحا إلى أن أصبح الوضع كما ترون وأنا عندي قناعة أني “قد أذهب فيها” وأنا في الستين من العمر من أجل بوست فايسبوك من خمس جمل لمجرد وشاية من نذل مستجد تحت قانون الإرهاب أو التآمر، وأنا لم أشاهد ولم أسمع ولم أقرأ وسيلة إعلام تونسية منذ أكثر من عامين إلا صدفة في فايسبوك وأستقى معلوماتي عن العالم الذي حولي من الأنترنيت وأعرف جيدا أنها لا تفعل ذلك لوجه الله أو لتطوير وعيي كمواطن عما يحدث في بلدي أو تحاول أن تساعدني في إعطاء معنى لما يحدث، وأنه ربما علينا أن نعود إلى الأسماء المستعارة في المواقع المتفهمة خارج الوطن مع العودة إلى برمجية Tor لمحو أثر النشر.

غير هذا: إعلان سركونة منطقة محررة محمية بتضاريسها الشاقة وإطلاق أول إذاعة حرة من هناك تحت حماية عسكر فضلاوة وورغة وتربية كلب يحسن الكلام، ملا لعب !

Exit mobile version