محمود عباس، 89 عاما: لماذا بقي رئيسا منذ 2005 ؟
سليم حكيمي
زار محمود عباس تونس بعد ثورتها. سألتُه ومستشاره “صائب عريقات” عن سبب مماطلة السلطة لرواتب الموظفين في غزّة. نظر الي شزْرا، أجاب ممتعضا، ثم أوما الى مستشاره بإيقاف الحوار. واعتبر سؤالي مُغرضا.
صَلَف تلك الوجوه، صورة عما اكتسبت أيديهم في حق شعبهم بالضفّة. فقد وقّع الكيان مع عرفات اتفاق “أوسلو”، وعندما تأخر في دخول فلسطين طُلب اليه الإسراع. كان يعتقد انه بإمكانه التوقيع على شيء وفعل شيء أخر، ولكنه لم يستطع. و”في وَعي مُفوّت” حاول تصحيح المسار أخر عهده بالدنيا، بالرجوع الى البندقية محاولا إدخال سفينة (كارين أ) محمّلة بالأسلحة، لكنها كُشِفت.
عندما أرادت حماس دخول السلطة، شاركت في انتخابات 2006 وكانت الفوضى هدية لها وتحول شركاء الحكم من “حركة فتح” مخبري الكيان حتى وقع الحسم فيهم سنة 2008. فكانت بين التكيّف مع طبيعة سلطة رام الله والاستسلام، أو المغادرة، وهو ما قررته، بعد أن أقال عباس رئيس الحكومة المنتخب إسماعيل هنية. فقد كان رايه إما أن تكون حماس مقاومة أو حركة حكم ولا يمكنها أن تجمع بين خطتين.
حولت طُغمة أُوسلو المكان الى مأساة، وهي سبب امتطاء الصهيوني صهوة التغلّب على الشعب، بعد أن صارت سلطة “رام الله” جهاز امن صهيوني، وهي ليست إلا داعما لبقاء الاحتلال واستبقاءه والتنكيل بالمحررين. يقتحم العدو المناطق المصنفة (أ) في الضفّة، يعتقل من شاء. إذ ترفض السلطة التطور الى الدولة. فقد حُددت مهمتها في الجانب الأمني. يتمثل خطر الرجل في إفراغ الأشياء من معانيها. فقَد الفلسطينيون تحت نير حكمه كل شيء. وبعد هزيمة حزب الله ضد الكيان في جنوب لبنان، ظن أن المصير نفسه ينتظر حماس، فصار يتحدث عن جاهزية سلطته لإدارة غزة، وبدا بتمشيط الضفة وتوعد الثلّة المرابطة. غير أن الصفقة كانت صفعةً وإثباتا لمقاربة مقاومة فاوَضت على أساس مخرجات الميدان ليس البيان أو البرهان. فلم يكن وقف اطلاق النار بسبب عدم تحقيق الأهداف، بل لعدم القدرة على بلوغها، حتى بالرهان على الزمن. فقرر إعطاء القوس باريها قبل أن ترتدّ الى نحره. فقد استطاعت حماس بنعومة إفشال مخططات السلطة الفلسطينية في مقاومة المقاومة.
من ينتظر شيئا أخر من عباس غير خدمة إسرائيل هو كـ “مُكلّف الأيام ضدّ طباعها.. مُتطلِّب في الماء جذوة نار”. فهو ليس إلاّ ثمرة نَزْوة خوّار على أَمَة، وجه كريه من حُكم عربي سَجَر النَّاس في تنُّور استبداده، بل تميّز عنها بـ “فضيلة” الخيانة. فكل ما سينجح فيه هو جزئي في لحظته، ومرحلي في مساره. فهو أحد أفراد عصابة سَطت عصابة على “منظمة التحرير الفلسطينية”، وحولتها من ممثل وحيد للشعب الفلسطيني، الى وكيل منفرد ببيع القضية، ونقلتها من الخنادق الى الفنادق. وهو ما تجلّى في قول وزير الداخلية المصري عُمر سليمان “إن مفتاح المنظّمة في جَيبي”.
لا يَعدو وجه الحقّ إن كان من أهل الإنصاف، من رأى أن كَواسر الإسلام كَسروا سورة البَأس الصهيوني. فقد خسر الأرض في الضفة والدعم والوعي المضلَّل عالميا. وعندما يكون الفلسطينيون قادرين على تقرير ما يريدون، فإن ثلاثة عوامل ستحدد مستقبلهم: وحدة فلسطينية على مبدأ المقاومة، وتغيير موازين قوى إقليمية في المنطقة العربية لصالح الديمقراطية، كما حدث في سوريا، وحالة تدافع دولي يمكن أن ينفذ منها القرار الفلسطيني، كما نفذ أردوغان من تناقضات السياسة وعدم اتساق الموقف الغربي لإيقاف الانتخابات في تركيا سنة 2003، وهو ما جعل الروس يعتبرون كلفة بشار اعلى من الحفاظ عليه… قبل استشهاده قال المغوار السنوار “أنا عمري 59، وافضّل الموت شهيدا على الموت فْطيسة”. بينما مزال عبّاس، بين جائحة موت وفضلة حياة، يعتقل إخوته خدمة لمشروع يتقهقر. “ومن يهنْ يسهلْ الهوانُ عليه”…
كاتب صحفي من تونس