في العلاقة المضنية مع البنوك التونسية
كمال الشارني
قرأت منشورا للبنك المركزي إلى البنوك يذكرها بلطف بأن نسبة الفائدة الثابتة على القروض لا تحتاج إلى انتظار منشور من البنك المركزي بل مجرد تطبيق القانون النافذ في البلاد التونسية (الفصل 412، المجلة التجارية).
أنا كنت يائسا من أن يقدم البنك المركزي قائمة عقوبات للبنوك الرافضة لتطبيق قانون من قوانين البلاد، ففي السابق أعلن البنك المركزي عن 14 خدمة بنكية مجانية، لكن البنوك استمرت في رفضها ونهبنا وابتزازنا، عاد أنا استحضرت ثلاثة حوادث طريفة مع بنكين عموميين.
الأولى، في قضية فساد أمام القضاء نشرتها وقتها في جريدة الشروق فتلقيت استدعاء من النيابة العمومية في محكمة تونس، قال لي وكيل الجمهورية مبتسما: “اطمنن، المسؤول عن الشؤون القانونية طلب محاكمتك من أجل تهمة غير موجودة: التطاول على مؤسسة عمومية”،
الثانية، عندما حصلت على قرض سكن عام 2000، لن أحدثكم عن “المعركة” التي خضتها في إدارة القروض لنقل وثائق القرض إلى الفرع البنكي في ثلاثة أيام بدل أسبوع، القرض لم يأخذ أكثر من 30 بالمئة شهريا من دخلي أنا وزوجتي، عاد طلبت سلفة إضافية بألف دينار في إطار حق الاقتراض في 40 بالمئة لمواجهة مصاريف تحوز المسكن والانتقال إليه، قال لي رئيس فرع البنك العمومي في قلب العاصمة بسخرية غاضبة: “ناقص كان تقلي أعطيني حق كراء كميون لنقل أدباشي”، أي وأطردني بفضاضة من مكتبه، أحببت أن أخنقه من عنقه الضخم وألكمه في كرشه الكبيرة، بعد أقل من عام، والله، أعلمني صديق محام أنه رآه موقوفا ويداه في الحديد في محكمة تونس، كان يقرض معارفه سرا مبالغ طائلة من أموال الفرع لأقل من ثلاثة أشهر بفائض 20 بالمئة له شخصيا ثم تخلوا عنه فواجه أكثر من نصف مليون من الدنانير المختفية.
الثالثة، لاحظت أكثر من 20 دينارا “قصاصات” شهرية على الحساب أمامها حروف لاتينية فقررت أن أوسع بالي لكي أفهم، ثلاثة موظفين كانوا عاجزين عن قراءة الحروف الهمجية التي تبرر ذلك، “شوف رئيس الفرع”، الذي قال: “موش باش نفسر لكل حريف وحده، هذه تطبيقة خاصة بالبنك كله” وأرسلني إلى الإدارة المركزية، عثرت على بنكاجي صديق فسر لي أهم شيء: “يبدأ البنك في اقتطاع أقساط القرض قبل وقتها المنصوص عليه في عقد القرض ويوظف عمولات على ذلك السحب إذا كان الحساب فارغا”، ضربت ضربت وأيست، في أزمة الكوفيد، عمرت وثيقة أني لست في وضع يحتاج إلى التوقف عن السداد لأني أشتغل في مؤسسة عمومية، قطعوا آخر أقساط قرض السكن، لكنهم بعد نفاذ القرض استمروا يقتطعون القرض وكأني استفدت من إيقاف الاقتطاع، ضربت ضربت، كتبت كتبت، شيء، لا رد أصلا، والله لا أحد كتب لي حتى جملة اعتذار.
تنفق البنوك التونسية بسخاء ملايين الدنانير سنويا على الإشهار لنفسها، لكنها تصنع عداوات عامة يومية بسلوكها وسلوك موظفيها تخرب العلاقة التعاقدية بينها وبين حرفائها، حتى أني سألت مرة صاحب مطعم فاخر لماذا لا يقبل الدفع بالبطاقات البنكية؟ قال: “البنوك لا تحب ذلك وتفرض علينا إتاوات فاحشة على آلة الخلاص وعلى كل عملية، عاد ناخذ فلوسي حاضر وكاش وأنا حرّ”.
هو البنك المركزي لا يقدر على تهديد البنوك أو إجبارها على الامتثال لقوانين البلاد ويكتفي بتذكيرها به، خلي يا نحن الموظفون في الأرض.