الاستئناف الحتم ما شككت قط وبالطوفان تيقنت
أبو يعرب المرزوقي
في أواسط العشرية الأخيرة من القرن الماضي شاركت في ندوة نظمها قسم العربية في جامعة تونس الأولى كان جوهر مضمونها القول إن مستقبل الإنسانية سيحدده الإسلام شاهدا على العالمين.
خرج أستاذان كانا من مرموقي الجامعة ضاحكين هزءا بما قلت. ولا عجب فقد كانا من عتاة “الحداثة” القشرية التي لا تتجاوز بيع فريب صحافة التقريب الجمهوري في الثقافة الفرنسية التي كانت في مرحلة الاحتضار.
وهما من الطائفة التي فرخت “الاسلامولوجيات” التي هي تنكّر الاسلاموفوبيات لدى جل النخب العربية ليس منهم فحسب بل من طائفة ثانية كانت من توابعهم في حزب وجهي “‘جينوس” أي فلسفة عقاب الزمان.
فقد كانوا ثوارا معارضين في النهار وقوادة مخبرين في الليل للحزب الذي يعيشون على فضلات موائده. واغلبهم ممن يبيع دنياه واخرته مقابل منحة إضافية للشهرية واستباحة كرامة الطلبة والقيام بدور الشرطي المشرفين على عقائد الشباب وحتى هندام الشابات.
وما مر احد منهم من مكان إلا ترك خلفة ما حصل عليه “بالكريدي” “بالدَين” رغم كونه قد عاش دون كلفة من مطعم الطلبة بمقتضى ما له من سلطان أو على الساعات الزائدة دون أداء حتى الساعات المستحقة الناقصة من واجبه.
وبذلك صار أعيان الجامعة مجرد أبواق لمؤمنون بالنقود بلا حدود: أي خدم محاربي الربيع والطوفان. وإذا لي أن اعترف للمنقلب بفضل ما فهو أنه لم يبق لهم إلا هذا المهرب أو ربما الجري وراء “الزغراطة” “سياسية تونسية” لعلها تنجح فترمي لهم بفتاتة حتى يجد الواحد منهم ما به يقتات.
والآن لماذا اعتبر الربيع لما صار هو بدوره طوفان فتساوقا تحررت عاصمة الخلافة التي حققت الإمبراطورية الإسلامية -الدولة الأموية- وبعدها بأيام تحققت ثمرة طوفان المسرى الذي يرمز إلى استئناف الرسالة بما بلغت إليه ذروتها أي عودة رمز المسرى إلى ما وصل بين الأرض والسماء في ارض العزة والإباء.
وهو ما اعتبره مناسبة لكي أشير إلى ما يُثبت ما قلته فهزأ منه حمقى بهائم القشور وباعة البثور: فالأمة الوسط التي تعد قلب المشرقَين والمغربَين هي التي تمثل الإنسانية التي ستحرر البشرية من التلويثين:
- تلويث الطبيعة ماديا
- وتلويث الأخلاق روحيا
فتتجاوز الإنسانية توحد المغولَين مغول الشرق ومغول الغرب. فيهم الحمقى من نخب البزنس المنحط الذي صاروا الآن يبحثون عن سترابونتان في مجرى التاريخ مكذّبا هيجل الذي ظن أن الإسلام خرج منه وارتد إلى اكسل الشرقي والغرق في ما يغرق فيه الكلاب اللاهثين.
اليوم شباب الأمة وشاباته هم من جنس من افضل اكبر مؤامرة صارت الإسلام بفتنتين:
- أولاهما تسمى الفتنة الكبرى من صنع السبئية والباطنية فحررتنا منها الدولة الأموية التي لولاها لكان الإسلام قد انتهت دولته وحضارته مباشرة بعد الانقلاب على جامع القرآن.
- والثانية تسمى الفتنة الصغرى من صنع الصهيونية والصفوية استنادا إلى سايس-بيكو لتفتيت جغرافية الأمة بداية لتشتيت تاريخها بمفعول عملائهم من النخبتين العربيتين السياسية الثقافية.
والحمد لله فالفتنتان انقشعتا وعاد للشباب بجنسيه عنفوان الجهاد بالإرادة الحرة وإبداع الاجتهاد بالحكمة الراجحة بحيث صارت على يقين بأن الاستئناف استعاد النماذج الحية من الفاتحين سلما وحربا في أمة استعاد شبابها بجنسيه معاني الإنسانية فصار بوسعها رعاية ذاتها وحمايتها لأن رموزها لم تعد حكام المحميات بل بناة الإمبراطوريات الذي كان شبابهم دون العشرين يفتحون شرق العالم وغربه دون رعبه بل كان فتحهم بشعار جئناكم لنحرركم من عبادة العباد بعبادة رب العباد.
لم يفتنوا شعوبا ولا لغات ولا حضارات بل آخوا بينهم بمنطق “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ” [الحجرات : 13]
لأنهم من نفس واحدة
“يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا” [النساء : 1]