عن “صفقات نفط تونسي مسروق”
كمال الشارني
في طرح الأسئلة الحقيقية في الاستقصاء: عن “صفقات نفط تونسي مسروق”
شديت روحي شوية، ثم قررت الكتابة عن موضوع “حجز 400 ألف لتر من النفط المسروق من تونس” في ألبانيا، وهي الشحنة الثانية “المسروقة من تونس” بعد شحنة أولى بـ 600 ألف لتر، ثمة أشياء لا تجوز في العمل الصحفي:
لا يحتسب النفط باللتر إلا لمشتقاته من البنزين والديزل في محطة الوقود عند الخلاص، بل بالطن المتري أو البرميل، 400 ألف لتر تساوي 2516 برميلا، وهي لا تسمى “شحنة” لأن كلفة نقلها أكثر من قيمتها التجارية.
تونس لا تصدر مشتقات النفط بل تستورد أغلبها، عندنا معمل وحيد وقديم لتكرير النفط في جرزونة وإنتاجه لا يكاد يعتبر إزاء استهلاك السوق، وثمة مورّد وحيد لمشتقات النفط وموزع وحيد أيضا: ستير جرزونة ثم عجيل في بلد يعيش “قد قد” في خصوص مشتقات النفط، مهدد بنقص التزويد في أية لحظة، وهذا حدث كثيرا وفي كل مشتقات النفط والغاز، فيمكن التفطن بسهولة إلى أي نقص غير عادي في الكميات التي ترسل في شبكات التوزيع المحلية.
سرقة النفط من البئر إلى البحر تكاد تكون مستحيلة، ليس فقط لأنها تتطلب “تآمرا مستحيلا” لأجهزة مختلفة من الديوانة إلى الحرس البحري إلى جيش البحر ووزارة المالية إزاء أية باخرة تدخل المياه التجارية ثم الإقليمية، بل لأن موانئ شحن 10 آلاف برميل من النفط في تونس أقل من عدد أصابع اليد الواحدة يجب أن تكون مجهزة بخزانات مثل الصخيرة وتتطلب عمقا مائيا كبيرا ورأس شحن مختص وأعوان صيانة، يعني لا يمكن سرقة النفط الخام أو مكررا من ميناء صيد بحري مثلا، يزي من الغباء.
بقي احتمالان: الشقيقة ليبيا، حيث يباع النفط خلسة منذ بداية الثورة الليبية، هناك تعمل المافيا بجد على تغيير مصادر الشحن حسب التحالفات مع المليشيات التي تفرض سيطرتها على الموانئ وتلعب خصوصا على وثائق السفن والشحن، تحتال لكي تتخذ الشحنة مصدرا مزيفا من تونس فيما هي مسروقة من ميناء ليبي مع عمليات معقدة لنقل الشحنة من باخرة إلى أخرى في حوض المتوسط.
الاحتمال الثاني هو النفط الروسي الواقع تحت الحضر الأمريكي وهو أيضا يغادر موانئ البحر الأسود ليباع في السوق السوداء في حوض المتوسط بفوارق أكثر إغراء من ربح المخدرات أو السلاح، وقتها، تطرح الأسئلة الحقيقية: هل في أحد هذه الشحنات ختم أو إمضاء تونسي لتغيير مصدرها وإضفاء الشرعية عليها؟