تدوينات تونسية

اللاّئكية الماكرونية: طلب الدّعاء لولاّة الأمور فرنسا في صَلاة الجمعة

سليم حكيمي

في رسالة تذكّر بقول المتنبي: “وَمثلُك يُؤتى من بلاد بعيدة ~ليُضحِكَ ربّات الحِداد البَواكيَا”، طَلب عميد مسجد باريس “شمس الدين حفيظ” من 150 أماما التابعين للمسجد إدراج دعاء في خطب الجمعة: “اللهم احفظ فرنسا وشعبها ومؤسسات الجمهورية، واجعلها بلدا تتعايش فيه الجالية الوطنية بمختلف طوائفها في أمْن وسلام”.

عميد مسجد باريس شمس الدين حفيظ
عميد مسجد باريس شمس الدين حفيظ

العلمانية الفرنسية أو اللائكية مفهوم يعبّر عن فصل الدّين عن شؤون الحكم والدولة، وكذلك عدم تدخّل الحكومة في شؤون الدين. تم الانقلاب على المفهوم الذي شمل المساواة في التعامل مع جميع الأديان على حد سواء حسب قانون 1905، وفي اطار إسلام التنوير، و “إصلاح ممارسة الإسلام”. صفّى ماكرون “مجلس الديانة الفرنسية” (CFCM)، هيئة استشارية معتبرة، زاعما صلتها بحركات إسلامية من الجزائر والمغرب وتركيا. وعوضه بـ “منتدى الإسلام بفرنسا”(FORIF)، أسّسه وزير الداخلية “جيِرار دَارمَانانْ” سنة 2022، لمحاربة الإسلام واحترام مبدأ العلمانية. وكان فيه اللائكيون العرب من “إسلام التنوير”، للأسَف، ألدّ الخصام. رهط بين خَمْر سَواد الليل، وبقيّة سُكْر بَياضه، ناصيته بيد غرب صَليبي، لا تنطق ولا تَطرَف إلاّ بأذى، لا تعرف “قِبلة من ظَهْرا” ولا الفَرضَ من السُّنة.

أن يدعو إمام مسلم لولي الأمر أمر يمكن تفهّم حماقته. أما دعاؤه لنظام لائكي منع الدين في الفضاء العام. واعتبر رئيسها ماكرون شتم النبي حرية تعبير، وارسل سدَنته في المدائن حاشرين لإلغاء تهمة ازدراء الأديان. فقد سمح الله، عندهم، لإبليس بالتعبير عن نفسه، والإله لا يحتاج من يدافع عنه، بل الإنسان محتاج لدفاعه. وانتقلت بذلك الدولة من حرية الاعتقاد المكفولة الى الطعن في دين الناس، فتسببت في حرق مساجد وتدنيس مقابر وعدوان على المسلمين.

الإسلام هوية وليس مجرد ديانة في نظر الحكومة الفرنسية. وان لم يتسن تحديد الخصم في نظرها فلا يتسنى لها مقاومته. فكان الإسلام في منزع القوس. ليس الأمر متعلقا بتوظيف الدين للسياسة أو السّياسة للدين، أو الرفع من قيمة الحاكم. بل هو ثمرة خطة من أراد “إسلام فرنسي” ليس “إسلام في فرنسا”؛ وأحد تجليات المكر الصليبي في إظهار الانتصار النهائي بتدجين الإسلام وجعله مجرّد حاشية على متن. اختزلت فيه مهمة الداعية، لثاني ديانة في فرنسا، الدعاء لولي الأمر الصليبي الذي نكث فيه ماكرون اتفاقه مع الأزهر على تدريب الأئمة في فرنسا. وقد سعى الرئيس “ساركوزي” سابقا انتزاع فتوى من شيخ الأزهر بضرورة تخلي المسلمة عن حجابها التزاما بقانون الدولة التي تؤويها. وسنت للإسلام خاصة قانون “الانفصالية” لمحاصرته. لم تكتف فرنسا بطرد الدين من المجال العام برفض الحجاب في المؤسسات العمومية والمدارس بل في محيطها، فأغلقت جمعيات ومساجد، ومنع أي نشاط بها عدا الصلاة، لتفرض الفردانية على دين جماعي، ثم تسقط مصداقية الخطيب وجعله أضحوكة الدّهر بنزع المهابة عنه بعدم استقلال الراي والمشورة، حتى يتحول الى “حنّانة عِرس” تُنشّط أجواءه، وتدعو للعروس بالهَناء والرّفاء، تأسيا بالاستبداد العربي.

لم يبق لماكرون إلا إعلان ما اعلنه “نابليون بونابرت” حيت غزا مصر سنة 1789 في بيان ذكر فيه “إن الفرنسيين أنصار النَبيّ”. إن تكلمت المسيحية في فرنسا فهي صليبية، وان نطقت العلمانية فيها فهي ليست شيئا غير العنصرية.

كاتب صحفي من تونس

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock