وما يعلم تأويله …

سامي براهم 

مولعون بالإعراض عن المُحْكَمات واتّباع المتشابهات ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله …
جدل المتشابهات على أشدّه حول إن كانت الحرائق تغيرات مناخيّة أم عقوبة إلهيّة … إن قلت بالأولى فقد خرجت من دائرة المعايير الإيمانيّة وإن قلت بالثانية فقد خرجت من دائرة المعايير العلميّة … فأنت في الأولى عالمانيّ دهريّ وفي الثّانية رجعيّ قروسطيّ … كأنّ الله لم يرتّب مشيئته وحكمته ضمن أسباب وقوانين كونيّة مخلوقة دعا لتدبّرها والتفكّر فيها …

الحرائق في أمريكا

جدل المتشابهات يبحث في علم الله وقصدية أفعاله وينطق عنه معبّرا بكلّ جرأة وتألّ عن تلك القصديّة كأنّه يعلم ما لم يعلمه عيسى عليه السّلام “تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ”.

بينما جدل المحكمات يبحث في أثر إرادة الله وآثار فعله في الكون:
تدبّر عقليّ في الأسباب والمسبّبات والعلل والمعلولات لإدراك قوانين الطبيعة وما أودع فيها من أسرار ومسخَّرَات …
تأمّل وجدانيّ عميق في صفات الله التي تنطق بها آثار إرادته وفعله في الكون “قوّته، حكمته، عدله، جبروته، رحمته، انتقامه عظمته مكرُه .. “.
هي روحانيّة كونيّة يجتمع فيها العقل والإيمان تتعلّق همّتها بما وراء العرش تتلمّس حكمة العقل الكليّ العلّة المطلقة واجبة الوجود.

الجدل حول إن كانت عقوبة إلهيّة أم ظاهرة طبيعيّة وهل يجوز الشّماتة في ضحاياها أم التعاطف معهم هو جدل فتنة نفسيّة وذهنيّة لأنّه يشوّش العلاقة التّلازميّة بين العلم والإيمان ويفرّق بينهما ويوقع في التناقض الأخلاقي حيث تكون نفس الكارثة ابتلاء هنا وعقوبة هناك … فنتعاطف مع ضحاياها هنا ونشمت في ضحاياها هناك … فنصبغ إرادة الله بانفعالاتنا النفسيّة وحساباتنا الدّنيويّة …

يسلّط الله عذابه الشّامل على أقوام ضمن شرائط ورد بعضها في نصّ التنزيل واستأثر ببعضها في علم الغيب عنده ممّا لا يعلم تأويله إلّا هو … والبحث فيما خصّ الله به ذاته ابتغاء تأويله زيغ عن محدوديّة المنزلة الإنسانيّة …

أمّا الرّاسخون في العلم فيتدبّرن العلل والأسباب والقوانين ويحاولون استكناه الحكم والأسرار ويقولون كلّ من عند ربّنا : التغيرات المناخيّة والأحوال الجويّة وما يصيب النّاس جرّاءها وما تفتح عليه من تحوّلات … “وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ”.

Exit mobile version