Site icon تدوينات

العويل على الذّات

فتحي الشوك

فتحي الشوك

فتحي الشوك

قد لا تنفع الخطوات التّسعة الّتي أوردها مارك مانسون في كتابه فن اللامبالاة ليهتمّ المرء فعلا بما يستحقّ الاهتمام، وقد لا تجدي معه نفعا نظرية القنفذ لشوبنهاور للبحث عن مسافة الأمان، فمهما تسلّحت بعقلك وحصّنت دفاعاتك أو بحثت عن كهف يأويك أو قمّة جبل تحميك فتبقى عرضة لما يكدّر صفاءك ويذهب سكينتك ويفقدك الاتّزان.

المدينة الطبية بالقيروان

قد يكون الاستفزاز طنين بعوضة تصرّ على امتصاص دمك، أو نقيق ضفدع تائه عاجز على العودة الى غديره، أو كركرة نارجيلة تهفت لفترة لتعلو ثرثرة من يمسك خرطومها وهو يعلّق متأستذا على من يقبضون على الجمر ويدفعون فاتورة الدم في فلسطين وسوريا، لينظر الى ساعته ويقوم على عجل وقد تذكّر مواعيد الوقوف في طوابير البحث عن الطّحين والسكّر وغاز السّولار!

أو ربّما نشاز مطبّل يتسلّل من خلال المذياع أو التلفزيون أو شاشة هواتفنا الغبيّة، ينطّ كالضّفدع وينقّ ويدربل وهو يرى بعينيه كيف يكون الهلاك لا محالة طريق من يزيّنون للطّغاة طريقهم!

أو قد تكون أخبار رأس السّاعة الّتي تدمغ رأسك وتصيبه بالدّوار والصّداع، أو دقّات ساعة حائط تحرمك من النّوم لمدّة أكثر ممّا قيل أنّ رأس المنظومة يقضيها وهو يقضي شؤون البلاد والعباد والعالم، فتنتابك هلاوس المبدعين والمخترعين ويفتح لك باب المجد والقبول بإصبع كفتة أو بخلطة طين أو بطلسم يمكّنك من السّفر في الزّمن والفضاء لتقطع الطّريق أمام الكائنات الفضائية الّتي تتآمر علينا.

لا يمكنك البتّة الخروج من دائرة الاستثارة حتّى وإن تقوقعت أو انزويت كحلزون أو سلحفاة أو دفنت رأسك كالنّعامة في الرّمل، دوما ما ستلطمك حجارة طائشة أو يطشّك رذاذ من سيل العبث والتّفاهة، أو تستنشق جزيئات الرّداءة الملوّثة للأجواء، كأن تسمع بأنّ بلدك صار يعوّل على ذاته فيقترض لأجل سداد فوائد قروض اقترضها ولأجل أن تصرف في مجاري الصّرف الصحّي، أو أنّنا بدأنا ندرك قيمة الوقت ونميّز بين السّنة والشهر واليوم والسّاعة والدقيقة، فبعد 2730730 دقيقة من العبث والطّنين وخطابات التسويف أدركنا قيمة الدّقيقة وأهمّيتها وقيمة الفعل والإنجاز لأجل ذلك علينا أن ننتظر قرابة 13149360 دقيقة لنرى إن بقينا من أهل الدنيا مشروع مدينة القيروان الطبّي لكي يتحقّق!

هي ليست سوى دقائق معدودات وما الدّقائق في حيوات الكيانات! فقد تنقلب السّاعة الرّملية أو يصيبنا نيزك يسرّع في خطوة الأرض ويقرّب المسارات، هي دقائق وستمطر إنجازات وفي انتظار ذلك يمكننا العويل على الذّات.

د. محمّد فتحي الشوك

Exit mobile version