الأربعاء 12 مارس 2025
نور الدين الغيلوفي
نور الدين الغيلوفي

من دلالات طوفان الأقصى

نور الدين الغيلوفي

1. الغرب

اختفى جميعُ وصفِه ولم يبق من صفاته في الذاكرة، بعد هذه الأهوال التي ارتكبها جيشُ الاحتلال (الصهيونيّ) ضدّ قطاع غزّة، غيرُ صفة الجريمة فاعلًا وشريكًا. كلّ التقدّم الذي أظهره وأشاد به وجرف البشريّة إليه كان مجرّد مساحيق يختفي خلفها وجهٌ قبيحٌ جعل من القوّة سبيلا إلى النفوذ والسيطرة، وحتّى تلك القوى الناعمة تبيّن من أحداث غزّة أنّها ليست غير خشونة نائمة تنتظر موعدا تستيقظ فيه لتمعن في التوحّش والجريمة. الأمّة، الآن، تقاطع بضائعه المغرية حتّى لا تدفع من جيوبها ثمن الرصاص الذي يقتل به أطفال غزّة ونساءها ويحرّم الأمن على جميع سكّانها.. ومناسبة الحرب تقول إنّ كلّ الذي يأتي من الغرب بضائع فاسدة قاتلة يبدع في تسويقها ويجعل من بلادنا أسواقا لها.. وبضائع الأفكار أشدّ خطرا من بضائع الأشياء.. وهذا الكلام يحتاج إلى تفصيل يطول وإلى نقاش عميق.

2. الصهيونية

منتَج أوروبي مثلها مثل النازية والفاشيّة وكلّ الأعراض المرَضيّة التي راح ضحيتَها ملايينُ البشر في معارك لا معنى لها غير ما تعبّر به عن جبلّة إجراميّة في الرجل الأبيض الأوروبّي لم يفلح التنوير الأوروبيّ في القضاء عليها. وما المذابح المروّعة التي يرتكبها الكيان العبريّ المحتلّ في غزّة إلّا إعادة إنتاج للهولوكوست.. جرائم الإبادة التي عرفتها البشريّة في الزمن الغربيّ الحديث إنّما تُرتَكَبُ بتعاون تامّ بين المؤسسات العلم وبيروقراطية الدولة. وقد عبّر رئيس الكيان العبريّ عن ذلك بوضوح حين قال مبرّرا لحربهم على غزّة “نحن نخوض الحرب دفاعا عن الحضارة الغربيّة”، في اعتراف واضح بأنّ الحضارة الغربيّة المعاصرة لا تقوم إلّا على حروب الإبادة.. رؤية تتكرّر: عرقٌ سيّدٌ يحتاج، حتى يسود، إلى إبادة الأغيار .. يجتاح أرضا يغتصبها يتّخذ منها وطنه الموعود وإسرائيله الجديدة، يجعل على قيادتها شعبا مختارا يبني طريقه من الجماجم ويزيّنه بالأشلاء. أغلب هؤلاء لا يؤمنون بالله ولكنّهم يزعمون أنّهم شعبه المختار الذي كلّما وعده بأرض استعمله لذبح سكّانها الأصليين.

3. الحرب الغربية على غزة

عرّت الغرب وكشفت حقيقته ولم يبق من التنوير غيرُ قوّة عارية لا تستند إلى حقّ ولا تعير للأخلاق اهتماما. الغرب عنصريّ حتّى في إنسانيته، وذلك ما يفسّر دعمه لقتل الأطفال والنساء في غزّة دفاعا عن مؤسّسة هو يعلم قبل غيره أنّها قائمة على غير المنطق والحقّ والعدل. لكي يحافظ هذا الغرب على مصالحه يدعم كيانا احتلاليّا دخيلا صنعه على عينه بالسلاح ليحوّل أطفال الأرض المحتلّة إلى أشلاء يراها العالم ولا يكاد يحرّك ساكنا.
انتدب التاريخ غزّة لتضع نهاية لآخر احتلال استيطاني في التاريخ، هو احتلال استيطاني استثنائيّ يقوم على قاعدة “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”. كانت كذبة بُنيَ عليها وعدٌ غربيٌّ كاذبٌ غرس في فلسطين شجرة زقّوم اسمها دولة إسرائيل، وظلّت كذبة في الوجدان العربيّ كلّه، ولم ينس الأبناء ولا الأحفاد ما مات في سبيله الآباء. حفظوه شهادةً تتلى في آذان مواليدهم وتكون آخر همّ يختمون بها حياتهم. فلسطين قضيّة مقدّسة وأهلها يبذلون من أجيالهم مهرًا لمقدّساتهم ولا يبخلون في عطائهم.

 


اكتشاف المزيد من تدوينات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً

نور الدين الغيلوفي

كمائن المقاومة

نور الدين الغيلوفي 1. يبدو أنّ المقاومة، من خبرتها، لم تعد معنيّة بأن “تلعب” مع …

نور الدين الغيلوفي

لا أقبل وساطة من أحد

نور الدين الغيلوفي منذ فارقت أمّي مُكْرَهًا أوّلَ مرّة، وأنا صبيّ، تعوّدت التعويل على ذاتي، …

اترك تعليق