ليقضي اللّه أمرا كان مقضيّا

فتحي الشوك

كيف نقدح في مقاومة لبنان الّتي شكرتها مقاومة غزّة وفلسطين وثمّنت إسنادها وقدّرت تضحياتها؟

أنا وأنت ونحن، من نملك رفاهيّة الثرثرة، وراحة الجلوس على كراسينا في مقاهينا أو مكاتبنا أو غرفنا الدّافئة تحت سقف يحمينا زمهرير الشتاء وفي بيوت تقينا عواصفه، ومن لدينا أصابع نجت من الصّقيع وهي تداعب كأس مشروب ساخن وتتصفّح شاشات هواتف لم نصنعها فنعلّق على ما يحدث حسب المزاج، بإعجاب أو استهجان أو بوجه ساخر، ثمّ نستسلم لنوم هادئ لا تقطعه صوت طائرات أو دويّ انفجارات أو طلقات مدافع.

مقاومة لبنان

نحن من لدينا أطراف مازالت قادرة على احتضان من نحبّ ومازلنا نلتهم في اليوم ثلاث وجبات وبعضنا لا يقدر على الاستغناء عن مشروبات ستاربكس والبيبسي ويستهجن مقاطعة بضائع الشركات الدّاعمة للاحتلال.

نحن من بعضنا لا يستطيع رفع علم فلسطين في بلدان ترفرف في سماء بعضها علم الكيان.

نحن من لا يستطيع بعضنا الجهر بالدّعاء نصرة للمظلومين وتوزّع لخطّاب المنابر خطب الحيض والنّفاس والمسح على الجوارب ووجوب الطّاعة لوليّ الأمر ولو زنا على المباشر!

نحن من نتباكى ونذرف دموع التّماسيح ثمّ نهبّ بالآلاف نتقافز تشجيعا لفريق كرة منفوخة بالهواء فنطلق الشماريخ ونجوب مدن خرابنا ابتهاجا بنصر زائف.

نحن من نتدافع لحضور حفل راقص، نحن من نتسكّع بين المقاهي والحانات والجوامع، نحن من تفرّقنا العصا ويجمعنا طبل وعازف، نحن المنفصمون وبعضنا يدّعي مقاومة لاحتلال الخارج ويسند احتلال الدّاخل!

نحن وقد اختلط فينا الحابل بالنّابل واستوى صوت الجاهل مع العالم وتحوّل البعض إلى خبراء في الجيولوجيا والجيوسياسة وعلم الفضاء وآخرون علماء دين يفتون على الهواء.

نحن من نهرف بما لا نعرف ولا نعرف من نحن!

نحن الكينونات المشوّهة، الخانعة، الخاضعة، اللّاهثة وراء السّراب والأوهام، المتوتّرة كحمر مستنفرة كلّ همّها إشباع فتحاتها البيولوجية، المخادعة لضمائرها بنضال افتراضي لا يغني ولا يسمن من جوع ولا يغيّر نفسا أو واقعا.

نحن الهزيمة والانكسار، نحن العار إذا ما ذكر العار.

نحن وما عليه نحن وما كنّا على ذاك النّحو، لا يحقّ لنا أن نخوض فيما يخوض فيه الرّجال.

الكلّ يدلو بدلوه، تشكيك، تخوين، تثبيط، ومزايدة وتحاليل بول ولوثات، خانت مقاومة لبنان مقاومة غزّة، انتصر العدوّ الغاشم وانهزمت المقاومة الّتي ما كان عليها أن تقاوم!

كانت مسرحية منذ البداية لتصفية القضية وتدمير الأوطان، هذا مصير من يثق في الشّيعة وإيران وهذا مصير من يشقّ عصا طاعة أولي الأمر!

لك اللّه يا غزّة، تركك الجميع!

ومن لغزّة غير اللّه؟ ومن لعباد اللّه غير اللّه؟

أتعلنون نصرا لم يعلنه العدوّ وبعض أركانه يعتبر ما جرى هزيمة واستسلاما لإرادة المقاومة؟

ما الأهداف الّتي حقّقها من بين الّتي أعلنها؟

هل كان سيجرّ مضطرّا لاتّفاق وقف اطلاق النّار لولا المقاومة الأسطورية الباسلة في الخيام وبيت جبيل وكلّ قرى جنوب لبنان، ولولا الصّواريخ والمسيّرات الّتي طالت غرفة نوم نتنياهو ووزارة حربه وأجبرت عديد المرّات الصّهاينة على الإختباء في جحورهم كالجرذان.

من وقف مع غزّة، مع رجال اللّه سوى رجال لبنان واليمن والعراق ؟ ليكتفي البقية بالمشاهدة والتعليق وبعضهم بالتثبيط والتشكيك والبعض الآخر تحوّل الى ناطق رسمي باسم العدوّ.

في ظلّ أنظمة مستسلمة خائنة تستجدي العدوّ وتشجّعه وتستعجله في إتمام مهمّته في القضاء على الضّحية.

من استجاب لنداء الطّوفان سوى قلّة من أمّة استكانت غالبيّتها للظّلم والطّغيان؟

كيف يخوّن من قدّموا قياداتهم قرابين فداء في طريق القدس وفاتورة طويلة من التضحيات من الشهداء والجرحى واللّاجئين والقرى المدمّرة ؟

كيف نقدح في مقاومة لبنان الّتي شكرتها مقاومة غزّة وفلسطين وثمّنت إسنادها وقدّرت تضحياتها؟

متى نفهم إن كانت لنا عقول نفقه بها أنّ ما بعد الطّوفان ليس كما قبله، وأنّنا على قائمة الاستبدال ليقضي اللّه أمرا كان مفعولا؟

د. محمّد فتحي الشوك

Exit mobile version