فتحي الشوك
بعد يومين من القمة العربية الإسلامية التي احتضنتها الرياض في 2024/11/11 والتي حضرها 57 “زعيما” وأثمرت بيانا لا يساوي الحبر الذي كتب به، شهدت عاصمة بلاد الحرمين ورافعة راية التوحيد قمة أخرى لا تقل أهمية وتتناغم مع الأولى، تطبيقا لرؤية ولي العهد السعودي، المنقذ المصلح المجدد كما وصفه بذلك الشيخ عبد الرحمان السديسي.
كان أبطال القمّة الأولى من تحمّلوا مشاق السّفر استجابة للواجب، أصحاب الفخامة والسّيادة حكّامنا الأفاضل أطال اللّه في أعمارهم وجعلهم ذخرا للأوطان، الّذين بعد جهد جهيد، وصفوا الماء بالماء، وحدّدوا للدّاء الدّواء، أصدروا بيانا عكّاظيا بعبارات بليغة ترشح شجبا، تنديدا واستجداء!
ماذا ترون أنّهم كان بمقدورهم أن يفعلوه، بعد أكثر من أربعمائة يوم من المجازر والإبادة تطال الأطفال والنّساء ؟
هل يغلقون مواسير النّفط أو حتّى يهدّدون بذلك؟
هل يقطعون العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مع العدوّ ويطردون ويسحبون السّفراء؟
هل يمتنعون عن إمداد العدوّ بالمال والغداء ويفكّون الحصار عن غزّة ويمدّونها بكسرة خبز أو بقارورة ماء أو بغطاء؟
هل سيمتنع البعض عن استقبال موانئهم السّفن المرسلة الى العدوّ وهي مشحونة بالسّلاح والذخيرة والقنابل الّتي ستقتل الأبرياء؟
ألا يكفيهم أنّهم اجتمعوا والتقطوا الصّور وألقوا الخطب العصماء؟
عرض استعراضي رائع لا يقلّ روعة عن الّذي تلاه.
حدث وصف بالتّاريخي وقيل فيما قيل فيه أنّه استعراض ضخم لم يشهده العالم من قبل، فاق عروض هوليود ومهرجان كان الفرنسي والجونة المصري وكارنفال ساو باولو البرازيلي، عرض أزياء عالمي للّبناني إيلي صعب تواجدت
فيه جنيفر لوباز وسيلين ديون وكاميلا ماريو وكالي بيري، استمتع الجمهور الحاضر والمتابع عبر الشّاشات بمشاهد يصعب على المرء التّصديق بأنّها تنقل مباشرة من عاصمة بلاد الحرمين.
لكن ألا يحقّ للشّعب السّعودي الّذي اكتشف فجأة أنّه تعيس أن يكون اسما على مسمّى فيتناول بعض هرمونات السّعادة؟
ألا يحقّ له الالتحاق بركب التحضّر والتمدّن والحداثة عبر التخلّص من خصوصيّاته والتفسّخ والانحلال والفجور والدّعارة؟
وكيف نرميهم بالحجر وبيوتنا من زجاج وتشهد أشنع ممّا شاهدناه؟
لكن أليست المملكة العربية السعودية هي بلاد الحرمين، تحتضن قبلتنا ومقصد حجّنا وقبل كلّ شيء مهبط الوحي الّذي نؤمن به، وهي برمزية فريدة لدى أكثر من ملياري مسلم؟
هناك خيط رفيع بين القمّتين يمكن تبيّنه، كلاهما للتّنفيس والتّرفيه والتّطبيع، فالتّطبيع كإعادة تشكيل لبرمجة العقول بما يجعل ما كان لا يقبل مستساغا ومقبولا ومطلوبا، هو أنواع، تطبيع مع الفساد، مع الفقر، مع الجهل، مع الانحطاط، مع الرّذيلة والفسق وسوء الأخلاق، مع الظّلم، مع الاستبداد، مع العدوّ الصّهيوني الغاصب الّذي يتربّع على عرش أنواع التّطبيع ويختزلها جميعا.
من حقّ المملكة العربية السعودية أن تتصرّف كدولة قطريّة كبقيّة دولنا، تفعل ما تريد في شعبها إن ارتضى الأخير بذلك، وبإمكانها أن تجهر بما كانت تمارسه في الخفاء من تطبيع وخيانة، لكن ليس من حقّها أن تفعل ذلك وهي بلاد الحرمين، البلد المحوري ذي الرّمزية الاعتبارية في قلوبنا، باعتباره قبلتنا، مهبط الوحي ومقصد حجّنا وباعتبارنا ندرّ عليها من الأموال بقدر ما تجنيه من النّفط، تلك الأموال الّتي لا نريد لها أن تذهب في حفلات المجون والفجور والتعرّي كما لا نريد لها أن تساهم في قتل الأبرياء أو جباية لراعي البقر مقابل حماية مؤخّراتهم.
وعليها أن تختار بين القطرية والمحورية، بين أن تكون مملكة سعودية أو بلاد الحرمين أو على الأقلّ أن توازن بينهما كما فعلت في الماضي.
وإن لم تتدارك الأمر وتعدّل المسار طوعا فسيتمّ ذلك كرها، ذاك ما نقرؤه في صحف الطّوفان.
د. محمّد فتحي الشّوك