فتحي الشوك
فاز الفيل الجمهوري على الحمار الدّيمقراطي، سباق انتخابي شارك فيه الملايين واشرأبّت إليه أعناق سكّان البسيطة لما للنّتيجة من تأثيرات تمسّهم بصفة مباشرة وغير مباشرة.
انتخابات كانت نسبة المشاركة فيها عالية وصفت بالتّاريخية حتّى أنّ بعض المقترعين اصطفّوا في طوابير طويلة لمدّة ستّ ساعات ليقوموا بواجبهم الانتخابي، كما أنّ الفئات العمرية المنخفضة كانت حاضرة بقوّة، ويبدو أنّها هي صحبة الأقلّيات من حسمت النّتيجة لصالح ترامب كعقاب لكامالا و لبايدن على موقفهما تجاه غزّة وفلسطين ولبنان ومشاركتهما في جرائم الإبادة.
انتخابات حقيقية حرّة وشريفة ونزيهة كان بإمكان أيّ كان أن يراقبها، جرت بسلاسة وأعلنت عن نتيجتها في حينها تقريبا، شاهدناها مباشرة ونحن نستحضر ما يجري عندنا في وطننا العربي من انتخابات لاختيار أجمل بعير، أو تجديد البيعة لحاكم يقاطعها ثلثا النّاخبين وأكثر من 90 % من الشباب لتعلن النّتيجة المعلومة مسبّقا بفوز الحاكم بأكثر من 90 % من الأصوات.
انتخابات لم يجر فيها سجن المترشّحين الجدّيين واستبعادهم بشتّى الطّرق وتمهيد الطّريق لصالح مترشّح المنظومة باستعمال كلّ أجهزة الدّولة، انتخابات فاز فيها ترامب بنسبة 52% تقريبا، نسبة لم تخجله بل اعتبر فوزه تاريخيّا وحاسما بالرّغم من جنون العظمة الّذي يسكنه ونرجسيّته الظّاهرة الّتي لا تخفى على عين.
في خطاب فوزه، وفي جوّ احتفاليّ بهيج، توجّه ترامب إلى جميع الأمريكيين، من انتخبه ومن لم ينتخبه، لم يقسّم ولم يتّهم طرفا بالخيانة والتآمر ولم يصفهم بالسّحالي والأفاعي ولم يتوعّدهم بسوء المصير، ترامب لم يسفسط ولم يلق شعارات حنجورية بلا معنى بل عرض برنامجا واضحا وأهدافا قابلة للتحقّق وحاول رتق الانقسام الحاد الّذي يعيشه مجتمعه عبر خطاب متّزن، جامع ومفعم بالأمل.
ما يهمّنا هنا هو ليس فوز ترامب أو كامالا فكلاهما وجهان لعملة واحدة، وكلاهما سيسعيان بكلّ جهد لاستمرار رفاهية امبراطوريّتهم المبنيّة على جماجم الآخرين، والدّليل أنّ أوّل من هنّأ ترامب بفوزه كان وزير وزراء حكومة الكيان الصّهيوني النّتن ياهو الّذي رقص فرحا بذلك، لتقام الاحتفالات في تل أبيب، وكأنّ كامالا أو بايدن قد قصّرا في خدمة هذا الكيان المسخ وهما لم يتركا شيئا إلّا وفعلاه إسنادا ومشاركة في جرائم الإبادة، أمّا ثاني من هنّأه فكانت وزيرة الوزراء الإيطالية الفاشيّة اليمينيّة ميلوني.
وليس من الغريب أنّ حكّام صحراء الاستبداد والتسلّط العربي الممتدّة من المحيط إلى الخليج قد ابتهجوا بفوزه بالرّغم من أنّ بعضهم مطالب بأن يجهّز ضرعه للحلب وظهره للرّكوب والجلد، فهم يرون فيه بعض الشّبه منهم وهو من لا يقحم أنفه فيما يفعلون في شعوبهم مقابل ما سيدفعونه من جزية.
أكيد أنّ ترامب عندما لوّح بأنّه سينهي الحرب في غزة ولبنان كان يقصد بالتّسريع في الإبادة وتصفيّة المقاومة وتصفيّة القضيّة الفلسطينيّة عبر صفقة القرن والاتّفاقية الإبراهيمية وهو ما يتوافق معه جلّ حكّامنا العرب حتّى ولو أعلنوا نقيض ذلك.
الحمار أو الفيل، كلاهما سواء، يختلفان في الأسلوب، تصفية قطرة قطرة أو تصفية سريعة مركّزة، قتل ببنج أو بدونه، لكن طريقة الاختيار والفوز هي ما تهمّنا، تلك الدّيمقراطية الّتي برغم هنّاتها وبعض مساوئها تبقى أفضل اختراع بشري للتّداول السّلس على السّلطة وذات الكلفة الأقلّ والنّتيجة الأفضل.
ترامب فاز أوّل مرّة بآلية الصندوق ليسقطه نفس الصّندوق فيعود بنفس الطّريقة.
الدّيمقراطية والحرّية والمواطنة والمؤسّسات بما أفرزته من إعلاء قيمة العمل والإبداع هي ما جعلتهم يتسيّدوننا ويركبوننا ويحلبوننا ويجلدوننا ويبيدوننا، ويستمرّون في ذلك عبر منعنا من التمتّع بتلك القيم الحقيقية ويسرّبون لنا أخرى جنيسة ومسمومة، إلى جانب أنّنا لم نحاول التّعويل على الذّات وابتكار ما يناسبنا استلهاما من واقعنا وتاريخنا ومن تجارب الأمم النّاجحة.
ولعلّ الطّوفان الّذي انفجر قد يثمر ربيعا ثانيا بعد أن نجحوا في اغتيال الرّبيع الأوّل.
الطّوفان الّذي كان عنوانه مقاومة المحتلّ وما من مستبدّ إلّا ومحتلّ، لذلك كلّنا معنيّون به ومطالبون بالانخراط فيه لأجل أن تتحقّق أهدافه، التحرّر وقيامة الإنسان.
د. محمّد فتحي الشوك