حكام الأمة أعداؤها

نور الدين الغيلوفي

1. لم يكن عاقل ينتظر أن يكتب الصحافي الأمريكي بوب وورد ما كتبه في شأن أقوال الرؤساء والملوك العرب ليعرف أنّهم ألدّ أعداء الأمّة وأنّهم كتيبة الاحتلال المتقدّمة. وأنّهم العقبة الكأداء في طريق نهضتها.

2. جميع حكّام العرب في دولهم المحدثة، حتّى يثبتوا جدارتهم ويصنعوا مشروعيتهم، افتعلوا لهم حروبا. ذلك ما أملته عليهم أحلامهم، وبذلك أشار عليهم صانعوهم. لقد رأى كلّ حاكم في نفسه بطلا جاء لينسيَ الناس صلاح الدين الأيّوبي وعمر المختار ويحلّ محلّ جميع الأبطال في التاريخ، وقد ذهب الغلوّ ببعضهم، بعد أن جلس على الكرسيّ، أن قال “معي يبدأ التاريخ” دون أن يكون له قبل ذلك أيّ سهم في كلّ التاريخ، ولم يُعرف عنه أنّه دخل إلى التاريخ من أيّ باب من أبوابه.

3. العوامّ يعشقون الأبطال، ولكي يعشق العوام حاكمهم لا بدّ أن يروا فيه بطلا. ولأجل صناعة البطولة كلّف كلّ حاكم الدولة كلّها بأن تكون آلة دعاية له لينفخ في صورته ويصنع بها سيرته وينحت بطولته.. فجاء منتفخا لا رصيد من إنجاز يرفع قيمة عُملته في سوق البطولة. ولا تكاد تجد حاكما عربيا واحدا عرف الناس عنه شيئا من سيرة قبل أن يستوليَ على الحكم. لذلك كلُّ سِيَرِ الحكّام العرب أكاذيبٌ. ولو كان لأصحاب الأمثال أن يصنعوا مثلا جديدا لقالوا “أكذب من حاكم عربيّ”.

4. ولكن لأنّ هؤلاء الحكّام غير جديرين بالحروب ولا بالبطولة، ولأنّ التاريخ لا يجامل فقد خسر هؤلاء الحكّام المتمعّشون من غبار الحروب جميع معاركهم. ولا أحد من بين هؤلاء البُغاة ربح حربًا واحدة حتّى تلك التي كانت ضدّ عدوّ ظاهر، وهو في حالنا العدوّ الصهيونيّ. بل إنّي لأزعم أنّ هذا العدوّ بات شرطا ملازما لأنظمة هؤلاء الحكّام. ولأنّ حروب هؤلاء الحكّام لا تعرف نهاية ومشاريعهم “العظمى” مفتوحة لا تكتمل فهم يتوفّون أعمارهم ولا يغادرون الكراسيّ التي هم عليها قعود.
وإذا خسر أحدهم حربا قال للرعية اللا مرعيّة “لقد خسرنا معركة ولم نحسر الحرب”، وصفّق التوابع والغوغاء لقوله وتغنّت بانتصاراته الدولة كلّها وقد حوّلها بعصاه إلى جهاز للدعاية له. فكلّ حاكم عربيّ هو بالضرورة قائد وزعيم ومفكّر وعبقريّ وبطل ونظيف وابن الشعب.
وتمضي السنوات ولا يصنع الحاكم العربيّ لشعبه شيئا نافعا واحدا. ثمّ يموت فيأتي من بعده حاكم آخر يبدأ بتمجيده وينتهي بلعنه لتلعنه من ورائه غوغاء كانت بالأمس تمجّده وترى فيه المخلِصَ والمخلِّصَ.

5. الحاكم العربي في الدولة الحديثة يعيش بمنطق “أنا ومن بعدي الطوفان”.. لذلك كان الطوفان في البلاد العربية هو آلية انتقال السلطة. السلطة، عندنا، انتقالها غير سلميّ.. وفي عامّة أحوالها تؤول إلى من لا يستحقّها.
ثمّ جاء طوفان الأقصى ليعرّيَ كلّ الزيف.. زيف حكّام لم تكن قضية الأمّة المركزيّة فلسطين أكثر من مائدة تدرّ على كلّ حاكم منهم الطعام الذي يلائمه.
الحاكم العربي الذي قال “أنا ومن بعدي الطوفان” جاءه طوفان الأقصى ليبعده عن حكم ليس له أهلا.
الطوفان ليس ضدّ المحتلّ وحده. الطوفان جاء ليضع نهاية لحقبة من التاريخ غلب عليها الزيف ولم تجن الأمة فيها غير المذلّة والهوان تحت حكم أعداء لها سرقوا كلّ شيء وكتموا كلّ صوت وقتلوا كلّ جميل.

6. طوفان الأقصى بدأ بالهجوم على جيش العدوّ ولكنّ مداه بلغ عسس جيش العدوّ الذين كلّفهم تمرير سفن المتفجّرات إليه بعد أن وصمه كلّ العالم. لقد نصر الحكّام العرب، بلا استثناء، جيش الأعداء لمّا كشف جريمته أحرارُ العالَم. وقد جاءهم الطوفان ولا منجاة لهم منه.

وألقى يحيى عليهم عصاه
فهي تلقف ما يأفكون..
وكلّ الحكم العربيّ إفك.
لذلك كان لا بدّ من طوفان.
لزوال الإفك.

Exit mobile version