أبو يعرب المرزوقي
يذكر قراء تحليلاتي أني رحبت بنجاح اليمين المتطرف في الوصول إلى حكم إسرائيل. واليوم أضيف الترحيب بنجاح ترامب. فما الفارقة في ذلك؟ ألست ارحب بأعداء الأعداء لكأني لا أبالي بما يرفضه غيري بمنطق خالف تعرف؟
ذكرت مرة في خلال حواري مع الصديق عياد في قناة الزيتونة:
أن من اخرج الحلف الأطلسي من أفغانستان هو ترامب
ومن حاول كوريا الشمالية هو ترامب في محاولة لحل دبلوماسي
من تعامل مع حكام أوروبا تعامله مع حكام العرب هو ترامب
ومن بدأ في الخروج من الشرق الأوسط هو ترامب
وكل ذلك للاعتناء بالشأن الداخلي الأمريكي ولتنافس مع الصين في سر القوة؟
فيتبين من هذه المعطيات أن ترحابي به غير ترحابي باليمين الإسرائيل لكن الحصيلة بالنسبة إلينا واحدة: لذلك فسميت الأمر مفارقة أي بارادوكس. فكيف افهم هذه المفارقة رغم أن الموقفين اليمين الإسرائيلي واليمين الأمريكي مختلفان؟
حتى لا يساء فهمي فترامب لن يكون متسامحا معنا أو مؤيدا لقاضانا. هو نظير اليمين الإسرائيلي إزاءها والفرق بينه وبين بايدن هو الفرق بين العدو المنافي والعدو الصريح.
ما سعى إليه اليمين الإسرائيلي حقق أهداف شديدة الأهمية بالنسبة إلى قضايانا. وأذكر امرين هما من مكر الله الخير:
الأول: هو الغلو الصهيوني أدى إلى سقوط التخويفين لأن المخوف بهما أي إيران وإسرائيل خسرا المعركة: حماس أفسدت لعبة إسرائيل وإيران في آن: كلتاهما عجزتا عن الحسم مع الطوفان.
إيران اضطرت للتخلي عن كل مليشياتها حتى في داخلها: لأنها صارت خائفة عن نظامها ولم تعد تخيف أحدا لا هي ولا مليشياتها: فمن سيسقط حزب الله هو الشعب اللبناني ومن قد يسقط الملالي هو الشعب الإيراني والبقية جزئيات.
إسرائيل خسرت اهم أسلحتها أي سردياتها التي لم تعد صالحة إلا قليلا عندما تحصر الخلاف مع ايران وترد حماس إليها حتى تلغي ما به قضت حماس على سردياتها في العالم أولا وعلى دوى الجيش الذي لا يقهر.
يمكن لترامب أن يساعدها على استرداد الردع ضد ايران وضد مليشياتها: وهذا لصالح شعوب الإقليم لأن ذلك سيجعل كل شعب مهتما بالدفاع عن أرضه: والمثال هو:
لن يجد العراق ولا سوريا أي عذر على القبول باحتلال الإيراني الأمريكي
وسوريا أي عذر للقبول باحتلال إيران وروسيا وإسرائيل في الجولان
ولن تجد الضفة مبررا للبقاء متفرجة على غزة لأن مصيرها قد يكون مثلها
ومثلها الأردن ومصر والسعودية وكل من لليمين الإسرائيلي وناتنياهو لا يخفون مطامعهم ضمن مشروع سايكس بيكو ثانية.
ولبنان في الجنوب الذي ضيعه غباء حسن نصر الله. لخدمة إيران.
وبقية العرب لم يعد لهم مبرر للاحتماء بعضهم بإيران وبعضهم بإسرائيل.
لأن التهديد منهما الذي كان يؤسس لوجود أمريكا وروسيا وراء الشرطيين الإسرائيلي والإيراني له وراءه مشروع لكل من الشريكين هو تقاسم أرض العرب وثرواتهم وممراتهم والحلف مع النخب العميلة التي تستعبد الشعوب.
وإذن فترامب سيطلق ذراع إسرائيل وبوتين قد يرد بإطلاق ذراع ايران لكن اعتقد أن ايران لخوفها على نظامها لن تغامر وإسرائيل بعد هزيمتها الرمزية التي زعزعت كل سردياتها كلتاهما صارتا لا تخيفان الشعوب بعد تحررها من التخويفين
فيكون ترامب مثله مثل اليمين الإسرائيلي والخونة من النخب العربية السياسة والفكرية والمليشيات التي تسيطر في الهلال جهارا نهارا وفي الخليج بصورة عمادها التقية والتهديد بحرف مصدر رزقهم لهشاشته كل ذلك لن يبقى له اثر بعد هذه التحولات:
فترامب مضطر لمنع السلاح النووي على ايران ومضطر للجم إسرائيل لأن الخوف من المعركة مع الصين تحول دونه وخسران العالم الإسلامي وهو خوف كان وراء خروجه من الحرب الخاسرة في أفغانستان ومهادنته تركيا بخلاف الديمقراطيين.
وبهذا المعنى فإني لست واثقا من الاستئناف فحسب بل إني متأكد أن مكر الله الخير كله له وجه ثابتة هي توفير شروط الضرورية لإنجاحه بما سيضطر الأعداء على المساعدة عليه وتسريعه بغير وعي بما سيحصل لما يتحرر الهلال والخليج من الرعب الذي تتج عن التخوفين اللذين ستنهيهما الشعوب.
بما في ذلك شعب إيران شعب الهلال وشعب الخليج وحتى شعب إسرائيل رغم أن ذلك قد يدفع النخب العميلة والحكام إلى السعي لتعطيله لكن ذلك لن يطول: فلما تتحرر إيران من الملالي ومعها العراق وسوريا ولبنان واليمن ويتحرر الخليج من إسرائيل ومعها النخب العميلة فإن الاستئناف يصبح هو عين مشروع الجميع بين تحرير الأوطان وتحرر المواطنين. وغياب هذا الوعي علته أنهم يقفون عند الحال الراهنة وكأنها أبدية.
لا يرون أن ما يجري قد أنهى عصر المليشيات الإيرانية وحتى النظام الإيراني وهم في محلة الدفاع بعد أن كانوا في مرحلة الهجوم ومثلها إسرائيل: وكل ذلك أن أول من تحرر من العائقين الحائلين دون تحرير فلسطين كانوا العرب المتاجرين بها ثم ايران ومعهما بعض المرتزقة من النخب العربية التي تتصور تحرير الأوطان والمواطنين ممكن بأمراء الحرب وخدمة المشروعات التي تتنافي مع السعي لشروط المناعتين المادية والروحية بمنطق التجمعات الكبرى.
وختاما من كل المحللين العرب الذين نراهم في شاشات الإعلام لم يخرجوا من التفكير ضمان التسليم بهذه الظاهرات التي يتصورونها أن تبقى كما كانت قبل زلزال الطوفان وما له من صلة بالربيع: انتهت الوصاية الإيرانية والإسرائيلية على الإقليم لأنهما فقدتا ما كان يحول دون الشعوب والثورة.