الظلم مؤذن بخراب العمران

عن علي العريّض مرّة أخرى

نور الدين الغيلوفي

لا يكاد يمرّ يوم لا أذكر فيه المهندس علي العريّض الأسير في سجون الدولة التي كأنّها لم تجد لها من غذاء إلّا أسره، فهي تتغذّى على سلب الرجل حريته.. تنكيلا مجانيا لا تفسير له غير الغطرسة.

ما يشغلني في الأمر ليس الرجل ذاته، فأنا لا أعرفه إلّا من خلال صورته المنقسمة بين أنصاره وخصومه. الذي يشغلني هو الظلم والظلم طاعون يفتك بالأمم. الظلم هو الممارسة العملية الوحيدة التي لا تفسير لها لأنها ممارسة مناقضة للعقل مفسدة للمنطق مدمّرة لكلّ جميل.

علي العريض

الذي يشغلني أنّ علي العريّض أكبر شخصية مورس عليها ظلم من الدولة، ولا ذنب ارتكبه يستحقّ كلّ هذا التنكيل.
لماذا يقبع علي العريّض في السجن بلا تهمة؟
والله لا أدري.

طبعا لديّ تفسيري الخاص،
الرجل قيمة أخلاقيّة وقامة نضاليّة، وهو يدفع ثمن هذه وتلك، وقد جعلتا منه رمزا، لا أكثر ولا أقل. يشهد له بذلك خصومه وأنصاره. نحن في بلاد يغار الحاكم فيها من المحكوم فلا يجد من سبيل إليه غير التنكيل به، لا للخلاص منه، بل لمزيد رفع المظلوم ووضع الذي يظلمه. ولكنّ الظلم يُعمي والظالم لا يبصر. الظالم يخبط خبطَ عشواء.

أذكر حوارا كان بين علي العريّض لمّا كان وزيرا للداخلية في حكومة حمّادي الجبالي وبين اليساري شكري بلعيد. قال له بلعيد وقتها على شاشة قناة حنّبعل:
أنت رجل دولة بِحقّ.
بعقلانيته وصدقه وسلامة خطابه افتكّ الشهادة له من خصم عنيد.

وقد يذهب بي الظنّ إلى حدّ القول إنّ تصفية بلعيد كانت تلك الجملةُ بعضَ سببِها. العريّض الذي قال فيه أبو عياض “سيّء الذكر” لا يجوز أن يقول فيه خصم آخر إنّه رجل دولة.. لا سيما إذا كان خصما لدودا. وكانت أفضل طريقة للخلاص من العريّض هي قتل بلعيد.

علي العريّض الذي خرج من السلطة بقلمه الذي أمضى به على دستور الثورة يقبع، من مدّة طويلة، في السجن بلا تهمة تليق به وبلا محاكمة ترقى إليه.

أمس اعترف الرئيس الفرنسي عمانويل ماكرون باغتيال الدولة الفرنسية لقائد حرب التحرير الجزائرية العربي بن مهيدي سنة 1957. بعد 67 سنة اعترفت فرنسا بجريمتها في حقّ مقاوم يدافع عن وطنه قتلته ظلما وعدوانا.

الدولة الكولونيالية الفرنسية تركت مظالمها خلفها يمارسها معجَبوها أسرى خطابِها ضدّ وطنيين يشبه لاحقُهم في النضال سابقَهم في المقاومة. ولا فرق بين تنكيل فرنسا بالمقاومين وبين ما تفعله الدولة الوطنية بالمناضلين. أنا أزعم أن علي العريّض من طينة العربي بن مهيدي ويحيى السنوار. ولكنّنا لا نشيد بالكبار إلّا بعد أن يموتوا. نحن أمّة تضيّع رجالها مثلما تضيّع ثرواتها. حتّى إذا فقدتها بقيت تبكي عليها.

علي العريّض رجل الدولة. ولا يليق بدولة تحترم رجالها أن تفعل بهم ما تفعله دولة علي العريّض به.
الرجل مظلوم.
والظلم خراب ديار واستحالة عمران.
هل ربحت الدولة شيئا بسجن علي العريّض ورفاقه السياسيين؟
هل تخسر شيئا إن هي مكنتهم من حريتهم وأعادتهم إلى أهلهم؟ ألا يزيد ذلك من رصيدها؟
أليس من الخير لها أن تستعين بهم على حل مشاكلها بدل إضافتهم إليها؟
الدولة بما تفعله ضدّ رجال من طراز علي العريّض كأنّها تندب وجهها وتنزف دمها ولا تفعل غير ذلك.
حرّروا الدولة بسراح علي العريّض
الكراهية لا تبني الدول.

Exit mobile version