عبد السلام الككلي
أفاد القطب القضائي لمكافحة الإرهاب مساء الجمعة 4 أكتوبر 2024، أن قضاة التحقيق بالقطب المتعهدين بملف يخص كلا من الوزيرين الأسبقين منذر الزنايدي ورفيق بوشلاكة والمدون أنيس بن ضو والناشط السياسي ثامر بديدة، أصدروا بطاقات جلب دولية في حق كل واحد من المظنون فيهم مشيرا إلى أن الأبحاث التحقيقية لا تزال جارية.
وأوضح القطب، في بلاغه، أنه بعد استيفاء الأبحاث الأولية أذنت النيابة العمومية لدى القطب بفتح تحقيق في شأن المظنون فيهم وطلبت إصدار البطاقات القضائية اللازمة في شأنهم.
وتأتي هذه التتبعات، وفق البلاغ، على اثر تعهيد النيابة العمومية لدى القطب القضائي لمكافحة الإرهاب الوحدة الوطنية المختصة في جرائم الإرهاب بالبحث فيما تم تنزيله من تدوينات ومقاطع فيديو على منصات التواصل الاجتماعي من قبل كل من المنذر الزنايدي ورفيق بوشلاكة وأنيس بن ضو وثامر بديدة والتي كان الهدف منها بحسب النيابة العامة “بث الفوضى والرعب بين المواطنين وإثارة البلبلة وتعطيل سير العملية الانتخابية والمس من هيبة الدولة ومؤسساتها”.
تواتر بطاقات الجلب الدولية منذ 25 جويلية 2021
تواترت منذ 25 جويلية 2021 بطاقات الجلب الدولية في حق معارضين تونسيين يقيمون في الخارج ففي وقت سابق، كان مكتب الاتصال بالمحكمة الابتدائية بتونس، أعلن يوم 4 نوفمبر 2021 أن قاضي التحقيق المتعهد بملف رئيس الجمهورية الأسبق محمد المنصف المرزوقي، قد تولى إصدار بطاقة جلب دولية في شأنه. وكان المرزوقي، عبّر في تدخّل تلفزي يوم 12 أكتوبر 2021 على قناة “فرانس 24” عن مشاعر فخره على إثر قرار المجلس الدائم للفرنكوفونية، المنعقد قبل ذلك، والذي أوصى بتأجيل عقد القمة الفرنكوفونية بعام، بعد أن كان من المزمع تنظيمها في تونس يومي 20 و21 نوفمبر 2021 بجزيرة جربة. وإثر هذه التصريحات، طلب رئيس الدولة، قيس سعيّد، لدى إشرافه يوم 14 أكتوبر 2021، على أول اجتماع لمجلس الوزراء، من وزيرة العدل، بأن “تفتح تحقيقا قضائيا في حق من يتآمرون على تونس في الخارج”، مشددا على أنه “لن يقبل بأن توضع سيادة تونس على طاولة المفاوضات، فالسيادة للشعب وحده”. وأضاف سعيد خلال ذلك الاجتماع: “إن من يتآمر على تونس في الخارج، يجب أن توجه له تهمة التآمر على أمن الدولة في الداخل والخارج” وهو الكلام الذي اعتبره البعض موجها ضد المرزوقي وتدخلا صريحا من قبل السلطة التنفيذية في عمل القضاء.
وفي تاريخ قريب من تاريخ إصدار البطاقة الصادرة في حق المرزوقي أصدر قاضي التحقيق الأوّل بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب المتعهّد بالبحث في قضيتي “تكوين وفاق إرهابي” و”التآمر على أمن الدولة”، بطاقات جلب دولية في حقّ 12 شخصا، من المظنون فيهم والمحالين بحالة فرار، والذين ثبت تواجدهم خارج التراب التونسي، وبينهم مسؤولون سابقون رفيعو المستوى، وفق ما أفادت به الناطقة الرسمية بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب والمساعدة الأولى لوكيل الجمهورية لديه، حنان قداس في تصريح إعلامي، الثلاثاء 12 سبتمبر 2023. والأشخاص المشمولون بالقرار، هم:
- يوسف الشاهد، رئيس حكومة أسبق،
- نادية عكاشة، مديرة الديوان الرئاسي سابقا،
- معاذ الخريجي،
- كمال القيزاني،
- مصطفى خذر،
- ماهر زيد،
- لطفي زيتون، وزير أسبق وقيادي بالنهضة،
- عبد القادر فرحات،
- عادل الدعداع،
- شهرزاد عكاشة،
- علي الحليوي،
- رفيق يحي.
فما هي بطاقة الجلب الدولية التي عاد الحديث عنها هذه الأيام بمناسبة الانتخابات الرئاسية والانتقادات التي وجهها البعض للأجواء التي جرت فيها وخاصة تلك الصادرة عن المرشح منذر الزنادي المقبول ترشحه نهائيا للانتخابات الرئاسية التي جرت يوم 6 أكتوبر الجاري في قرار المحكمة الإدارية الشهير وعلى اثر إصدار قاضي التحقيق الأوّل بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب بطاقة جلب دولية في حق الأشخاص المذكورين.؟ وهل هناك حظوظ لتنفيذها ؟
ما هي بطاقة الجلب ؟
ينص الفصل 68 من مجلة الإجراءات الجزائية على أنه إذا كان ذو الشبهة بحالة سراح يستدعى كتابة لاستنطاقه. والاستدعاء يتم بالطريقة الإدارية أو بواسطة العدل المنفذ وهو يحتوي على ما يلي:
أولا : اسم ذي الشبهة ولقبه وحرفته وعنوانه.
ثانيا : مكان الحضور وتاريخه وساعته.
ثالثا : نوع التهمة.
وينص الفصل 78 من المجلة على أنه إذا لم يحضر ذو الشبهة جاز لحاكم التحقيق أن يصدر ضده بطاقة جلب. وهذه البطاقة تكون مؤرخة وممضاة ومختومة ويذكر فيها ما يميز ذا الشبهة أتم تمييز، مع بيان موضوع التهمة والنصوص القانونية التي تنطبق عليها كما يضّمن بها الإذن لكل عون من أعوان القوة العامة بإلقاء القبض عليه وجلبه أمام حاكم التحقيق.
وإذا لم يتيسر العثور على ذي الشبهة تعرض بطاقة الجلب على محرك أو شيخ مكان إقامته ليضع عليها علامة اطلاعه.
أما اذا كانت بطاقة الجلب دولية فيصدر عن السلطة في الدولة المعنية ما يسمى بالنشرة الحمراء الى الإنتربول (منظمة الشرطة الجنائية الدولية). وبواسطة هذه البطاقة يصبح الشخص المطلوب جلبه من بلده ملاحقا من قبل البوليس الدولي، وهو ما يعني وبموجب هذه البطاقة أنه صار محل “بحث ومطاردة وتحديد مكان إقامة وطلب إيقاف بموجب صدور بطاقة جلب وإيقاف من قبل السلطات في البلد المعني.
وإذا ما أدرج شخص بقائمة المطلوبين دوليا فانه نظريا لا يستطيع السفر أو الظهور في الأماكن العامة، أو المشاركة في أنشطة علنية تحت طائلة القبض عليه، وترحيله فوراً، غير أن ذلك يتوقف بالضرورة على موقف السلطات في كل دولة.. فالشرطة الدولية لا تنفذ البطاقة بواسطة أعوان لها وبشكل مباشر.
غير انه من الجدير بالتذكير وبشكل خاص أن الشرطة الدولية لا تُصدر البطاقات الحمراء حسب قوانينها الداخلية بشكل إداري هكذا دون التثبت في تفاصيلها ودون قيود، لأنها تشترط، الالتزام التام بميثاق عمل المنظمة وخاصة المادة الثالثة منه التي تمنع منعاً باتاً على أعضائها طلب إصدار البطاقات الدولية للمطالبة بالقبض على شخص أو جلبه بسبب نشاطه السياسي أو رأيه، وهو ما يعني أن المنظمة لا تتدخل أبدا في القضايا ذات الطابع السياسي أو العسكري أو الديني أو العرقي.
بطاقة الجلب الدولية التي يهملها البوليس الدولي
ومن الواضح آن شبهتي “التآمر على أمن الدولة أو الإرهاب” شملت في تونس منذ 25 جويلية 2021 كثيرا من المعارضين السياسيين والوزراء القدامى واحيانا بتدخل وتحريض مباشر من السلطة التنفيذية. سواء منهم الموقوفون في السجون التونسية أو المقيمون في الخارج ولوحق أيضا صحافيون وقضاة وغيرهم في سلسلة تطول كل يوم أكثر فأكثر يغذّيها خطاب سياسي يجعل من تهمة الخيانة طعاما يوميا يقتات عليه التونسيون ويستهلكه البعض منهم بنهم شديد كرها لحقبة وقعت شيطنتها حقا وباطلا واضحى أكثر فاعليها متهمين إلى أن تثبت براءتهم وقد لا تثبت أبدا.
وليست هذه القضايا في مجملها غير قضايا سياسية “ملفقة” بحسب ما تؤكده هيئات الدفاع عن المتهمين الموقوفين الآن في قضية “التآمر” وهو موقف المنظمات الإنسانية المحلية والدولية أيضا وتضفي الشكوك الجدية التي تحوم حول كل القضايا المرتبطة بتهمتي التآمر والإرهاب طابعا “انتقاميا” وهي قضايا تثير كثيرا من الانتقادات داخليا وخارجيا حول صلتها بما يحدث في تونس منذ 25 جويلية 2021 ومع ما استتبعه الحدث من ملاحقة العشرات من الشخصيات العامة.
ونظرا إلى الارتباط الظاهر بين صدور بطاقات الجلب والظروف السياسية التي تعيشها البلاد مع تكييف التهمة باعتبارها من قبيل “التآمر” خاصة وهي تهمة في غاية الخطورة يمكن أن يحكم فيها بالإعدام، فإن هذه البطاقات تضع محليا ودوليا محل تساؤل استقلالية القرار القضائي في تونس ونتيجة لذلك فانه من شبه المستحيل أن تستجيب الإنتربول أو الدول الأعضاء في المنظمة الى الطلب التونسي مما يجعل البطاقة مجرد حركة سياسية للاستهلاك المحلي أكثر من أي غرض أخر. غير انه استهلاك له تبعات مدمرة على سمعة القضاء التونسي دوليا..
فعلا وللتذكير فقد رفض القضاء اليوناني تسليم سليم الرياحي الى السلطات التونسية بعد أن صدر في حقه في ديسمبر 2019، حكم غيابي بالسجن لمدة 11 عاما مع النفاذ العاجل، في قضايا غسيل أموال (بعد خلاف معروف بينه وبين يوسف الشاهد رئيس الحكومة في ذلك الوقت والذي صار هو نفسه بعد ذلك ملاحقا من قبل القضاء التونسي في قضية تآمر على امن الدولة كما ذكرنا) وفق ما أكده الرياحي نفسه في تدوينة نشرها على صفحته الرسمية في 14 أكتوبر 2021، كما رفض القضاء الإماراتي هو أيضا تسليم الرياحي الى السلطات التونسية.
فقد كتب الطيب بالصادق محامي الرياحي على صفحته في موقع فيسبوك في 29 أوت 2022 تحت عنوان “انتصار مزدوج وساحق”: “الإنتربول الدولي يشطب بطاقات الجلب الدولية من منظومته، والقضاء الإماراتي يقضي ببراءة المنوب (سليم الرياحي) وعدم تسليمه الى تونس”.
وتابع بالقول “سليم الرياحي برّأته اليونان واليوم الإمارات وأنصفه الإنتربول الدولي”. كما يجدر التذكير أيضا بان الإنتربول رفض تنفيذ بطاقة الجلب التي صدرت ضد الرئيس الأسبق محمد منصف المرزوقي. فقد أكد المرزوقي يوم 9 مارس 2022 في تدوينة على صفحته الرسمية في الفيسبوك، أن الإنتربول أعلمه (ربما بطلب منه) بأنه ليس موضوع أي إشعار أو نشر من قبل الإنتربول..
وأضاف “بأن هذا يعني أن بطاقة الجلب الدولية التي تم الإعلان عن إصدارها من طرف قاض بتعليمات من وزيرة العدل.. لم يتم أخذها بعين الاعتبار “بحسب ما جاء على لسان المرزوقي”.
إنه من الغريب حقا أن يصدر قاض تونسي مثل هذه البطاقات! فمن المفروض أن يكون على علم بكل المعطيات القانونية المذكورة وهكذا سيكون ضرر هذه البطاقات اكثر من نفعها لما لها من مساس بسمعة قضائنا المتهم داخليا من قبل المعارضة وحتى من قبل القضاة أنفسهم من خلال كل البيانات الأخيرة الصادرة عن جمعية القضاة التونسيين ذات النفس الاستقلالي وخارجيا من قبل الدوائر الحقوقية والإعلامية ذات التأثير الواسع في صناع القرار سواء في الغرب أو خارجه بعدم الاستقلالية والتبعية التامة للسلطة السياسية وتنفيذ أوامرها.