تدوينات تونسية

7 أكتوبر -ذكرى الطوفان الأولى-

نور الدين الغيلوفي

1. يوم من أيّام الله والتاريخ والكون. سارت فيه القوانين على غير معتادها. وفجّرت العقول داخل الأنفاق آفاقا ورفعت منسوب الآمال في أمّة تراكبت عليها الخيبات أمدا بعيدا حتّى نسيت كتابة الأمل في سجلّات وجودها.
يومٌ حفر في تربة الخذلان والهوان أخدودا.. نبع الماء من الأخدود، صار نهرا سار في الناس بحياة. الحياة في بلاد العرب ممكنة وباقية رغم كلّ شيء.

الطوفان
الطوفان

2. لا أذكر يوما غمرني بالفرح أكثر من يوم 14 جانفي مثله. كان حلمًا مشهدُ الشباب وهم يقتحمون قلاع العدوّ، يفتكون بجيشه ويغنمون منه أسرى يشحنونهم على درّاجاتهم.. غنائمهم من حربهم ومدّخراتهم لتحرير وطنهم. مشهد لم يخطر بخيال.
كان اليوم مقدّمة لملحمة أشبه بالأسطورة سقطت لها سرديات أنفق الغرب في الدعاية لها قرنا من زمان الناس.

3. الجيش الذي لا يُقهر ظهر أنّه يُقهر.
لم يقبل جيش العدوّ القهرَ من حكّام بالدبّابات توعّدوا بإلقاء إسرائيل في البحر وشحنوا وعيدهم بقهر شعوبهم. يصفع الحاكم شعبه ويمنعه من الصراخ إذ لا ينبغي لصوت أن يعلوَ فوق صوت المعركة. انتهت المعارك إلى هزائم انتصر فيها الحكّام باللغة عندما محوا عبارة “هزيمة” وكتبوا في مكانها “نكسة”، وكفى الله جيوش الأعراب القتال. وعاد الزعماء الأفذاذ من حربهم على عدوّهم بجراب خاوٍ من كلّ نصر، إلى حربهم على شعوبهم لملء جرابهم بكلّ نصر.

4. لم يقبل جيش العدوّ قهرا من هؤلاء الحكّام الذين إذا صفع أحدَهم لم يجد له من ردّ أكثر من قولة “نحن نعرف متى نردّ وكيف نردّ”. وتولّى في شعبه يفجّر فيه براميله من الغيظ.. ونُسيتْ “متى” وضاعت “كيف” تحت صراخ المقهورين الممنوعين من حرياتهم. وجراب الحاكم من النصر على غيرهم خاوٍ.
ولكنّ الجيش الذي لا يُقهَر استقبل القهر من شباب نحتوا نصرهم على قفاه من تحت أنفاق حفروها لتدبير أسباب انتصارهم بعيدا عن عيونه وعيون أعوانه من أعراب الجُرُب الخاوية. لقد حفر شباب المقاومة في تراب وطنهم نصرهم وسطروا هزيمة عدوّهم يومَ انفجرت بهم الأرض طوفانا أربك العدوّ حتى فقد عقله. ولا يزال، بعد سنة، يخبط، من فَقده.

5. فقد العدوّ عقله وتداعى إليه الغرب بأسره يشحن جنونه بأسلحة الكون الظاهرة والمخفيّة يلقي نيرانها حمما على شعب غزّة حتى لقد صارت في الأرض محرقة لا أظنّها عرفت في تاريخها نظيرا لها. العدوّ يضرم نيران انتقامه يكوي بها جرحا به غائرا رسمته على قفاه مقاومة لا تعرف كللا ولا يعروها ملل ولا يداخلها تسليم بأنّها تقاوم الجيش الذي لا يُقهَر لتقهره ولو بعد سنة.

لقد قهرت المقاومة عدوّ الأمّة قهرا ووضعت حدّا لزمن الهزائم.. حتّى استحقّ يوم السابع من شهر أكتوبر أن يسمّى يوم قهر القهر الأعظم. في أرض البشر. يومٌ لم يخطر بخيال كاتب ملحمة.

سنة كامة بشهورها وأسابيعها وأيّامها وساعاتها ودقائقها وثوانيها وأهل غزّة في موت من قصف وقهر من تَركٍ ووجعٍ من ترحال.. وحدهم، في عراء الدنياء، يدفعون من تغريبة عذابهم ثمنا لتحرير وطن، يحاصرهم أقربون هم الأصل في بيعه ويمنعونهم من ماء ودواء.

سنة كاملة وأهل غزّة يستصرخون عربا لا ينصرون مظلوما. وإنّ من الصخور لما ينصر مظلوما استجار به. ولكنّ أعراب آخر الزمان لا يسقون عطشانا على كثرة أنهارهم.

مرّت سنة وأهل غزّة لا تلين لهم قناة
تحاربهم الدنيا
ولا يُغلَبون،
مرّت سنة…
الطوفان يغمر الزمانَ.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock