مقالات

تعالوا إلى كلمة سواء.. طيّ الصّفحة ممكن

فتحي الشوك

جدل كبير يثار حول جدوى المشاركة في الانتخابات الرّئاسية المزمع إجراؤها يوم الأحد القادم 6 اكتوبر 2024، وكلّ يعرض براهينه ويفسّر موقفه ويعتقد أنّ موقفه سليم وهو الأصوب، كلّ فريق متشبّث برأيه راميا الطّرف الآخر بالسّذاجة والغباء وبأنّه يخدم من حيث لا يدري المنظومة الانقلابية الّتي يتّفق ويسعى الفريقان لاسقاطها، بمعنى اتّفقا على الهدف واختلفا في الطّريقة وتنازعهما قد يحرمهما من تسجيل أيّ هدف!

الانتخابات
الانتخابات

اختلاف الفريقين، وهما في الحقيقة فريق واحد، يكمن في إختيار طريقة اللّعب أيّاما قبل المباراة وهو ما قد يجعله يخسر المقابلة بل قد يُحلّ الفريق ويُحرم من اللّعب في المستقبل.

والسّؤال الملحّ الّذي يجب أن يطرح هو: هل بإمكان أحد الفريقين أن يقنع الجميع بأنّ طريقته هي النّاجعة للفوز وهزم المنافس؟

ثمّ هل من المعقول إعلاء سقف الأهداف إلى أقصاها في ظرف نعجز عن تحقيق أدناها؟

وهل قمنا فعلا بدراسة المنافس كما ينبغي كما فعل السّنوار وهو في سجون الاحتلال، لنستنبط كيف نواجهه؟

من الوهم الترويج بأنّ المنافس ضعيف يترنّح، نحن الضّعفاء من نترنّح، فرقتنا وأنانيّتنا واندفاعيّتنا الغرائزيّة وغياب الحوار وتغييب العقل والاستبداد الكامن في كلّ واحد منّا والزّعامتية المنتشرة لدى نخبتنا والعمى الأيديولوجي، هي ما جعلتنا كذلك.

هل تعلمون أنّ المنافس قويّ، بكلّ تلك القوّة الصّلبة وببعض من القوّة الانتهازية اللّينة، بقضاء صار وظيفيا يدار بالتعليمات وإعلام مدجّن موجّه ورأس مال جبان واتّحاد شغل همّه أن ينجو بنفسه، وغالبيّة شعب يتّكئ على الكنبة يتفرّج وكأنّ الأمر لا يعنيه، ووعي وقع قصفه مدّة سنوات وجهل وفقر وخراب أصاب الكينونات، وعالم منافق أحول لا يرى فينا سوى زوائد دوديّة أو طفيليّات أو مصبّا للنّفايات!

تعقّلوا يا سادة ولا تكونوا كالمنظومة الّتي تبيع لنا الأوهام والضّراط!

تقولون أن لا فائدة في خوض مباراة معلومة النّتيجة، على أرضية المنافس وبحكم منافس مع غياب كاميراهات المراقبة وباتّحاد كرة منافس، وأنّ الغياب هو الأسلم لأنّ ذلك سيعرّيه ويحرجه ويعزله ويحرمه من لقطة يبحث عنها يعرضها في التلفزيونات العالميّة ! ألا تعلمون بأنّه من السّهل إخراج تلك اللّقطة؟

ثمّ متى كانت سلطة لا تستحي تخجل من أن تتعرّى وهي تتبوّل علينا ليلا نهارا ؟

هل تهمّها نسبة المشاركة في انتخابات فُرضت رفعا للحرج وذرّا للرّماد في العيون، أرادوها فسحة وعرسا وبيعة لزعيم مصاب بالپارانويا وجنون العظمة جنّ جنونه لمّا تقدّم من ينافسه وهو الّذي يعتقد أن مثله لا ينافس!

هل تهمّ الشّرعية الأفقيّة من يتوهّم أنّ شرعيّته عموديّة؟
هل تؤثّر فيه العزلة وهو من يحبّذها؟
هل سمعتم أحدا من منتسبي الفريق المنافس يشجّع على المشاركة في الانتخابات أو يجيّش لها؟ ثمّ أين هي تلك الرّسائل الصّوتية الّتي كانت ترسلها لجنة الانتخابات لتحرّضنا على المشاركة وتقضّ بها مضاجعنا ؟

واضح أنّهم يدفعون نحو المقاطعة ومن الحكمة أن لا تلعب بالطّريقة الّتي يريدها المنافس.
هي مقابلة خاسرة؟ من قال ذلك؟ ليس ثمّة أصعب من الهزيمة النفسيّة وكيّ الوعي، الوعي الّذي نهض كطائر الفينيق منتفضا من الرّماد، أيقضه طوفان الأقصى المبارك الّذي قلب كلّ المعادلات، فمنافسة من لا ينافس ممكنة، وهزمه ممكن وتحريرها من النّهر الى البحر صار ممكنا.

تلك هي المقاومة وتلك هي المعادلة، نصر المقاومة في بقائها وصمودها واستمرارية فعلها المقاوم، ففي بقائها فناء لمن تقاوم.

في حالة الغياب عن المباراة سيُعلن عن فوز المنافس وستُقام الأفراح وستُقرع الطّبول، وسيصوّرونه فوزا عظيما مستحقّا ولن يفيدك الاستدلال بنسب المشاركة الضّعيفة الّتي بمقدورهم أن ينفخوا فيها لترضي غرورهم، وسيكون ذلك بدون جهد أو قطرة عرق أو أدنى كلفة، ليستمرّوا بأريحيّة في عبثهم لسنوات أخرى لن تكون خمسا بل بعدد سنين ما بقي الزّعيم على قيد الحياة!

الغياب عن المباراة والانسحاب من المنافسة يعني قتل روح المنافسة وربّما حلّ الفريق لتكون تلك آخر مباراة.
هل المطلوب هو الفوز ؟ لم لا؟ حتّى في ظلّ اختلال موازين القوى واستعمال المنافس لكلّ الأساليب للفوز باعتباره قضيّة وجودية بالنّسبة له، طيّب ماذا لو زوّر وهذا ممكن أو استدعى قانونه ليغيّر النّتيجة وهو متوقّع؟

فليكن ذلك، سيكون إرباكا للمنظومة وإضعافا لها وبالمقابل ولادة حقيقية لفريق محترم قادر على المنافسة والفوز، بإمكانه أن يخوض مباريات أخرى في المستقبل، في المناسبات الرّسمية أو الودّية في الملاعب أو في بطاحي الشوارع.

لنحافظ على نواة فريق يستطيع أن ينجز لنا على الأقلّ المتاح الأدنى، يخسر، يتعادل، أو يربح، لا يهمّ ذلك الآن بقدر أن يلعب بجدّية وينهك المنافس حتّى لا يُحرّم الأخير التّنافس.

فلنشارك بكثافة إن كنّا نريد تغييرا أو نسعى لأن نبقي أمل التغيير متاحا، فغلق قوس العبث ممكن وطيّ الصّفحة ممكن ولو بعد حين.

فريق المقاطعة وفريق المشاركة تعالوا الى كلمة سواء ودعنا من المغالبة.
تقريبا تشتركان في نفس الأهداف أو تتقاطعان في ذلك في الحدّ الأدنى، أليس كذلك؟

يعني نريد دحر الانقلاب و إعادة الاستبداد إلى قمقمه وقد أطلّ برأسه وبدأ يتغوّل وإحياء السّياسة بعد محاولة اغتيالها وإنعاش الحرّية بعد خنقها وقفل قوس العبث والفوضى وإعادة دور المؤسّسات والقانون والفصل بين السّلطات والعودة الى نظام الجمهورية بعد أن تحوّلت الى جملكية.

خيار المقاطعة لن ينجح إلا إذا كانت إيجابية وموثّقة وكاملة أو شبه كاملة مع وضع خطّة للضّغط وخارطة طريق للإنقاذ.
خيار المشاركة لن ينجح أيضا إلا إذا كان بكثافة مع التأكيد بأنّ العمليّة ليست لانتخاب رئيس في حالة عادية بل لإسقاط الانقلاب والدخول في فترة انتقالية يتّفق خلالها على الخطوات القادمة.

اذا كان الفريق الدّاعي الى المشاركة بحسب معطياته يتوصّل الى أنّه لن يقدر أو لم يقدر على التجييش والحصول على أكثر من الثلثين (من الفريقين) فعليه أن ينسحب ويدعو إلى المقاطعة.

وبالمقابل إذا كان الفريق الّذي يتبنّى المقاطعة يتبيّن له أنّ جمهوره ليس أغلبيّا وأنّ الغلبة لفريق المشاركة فعليه أن يتنازل ويدعو للمشاركة.

أعتقد أنّ المواقف ديناميكية ومتحرّكة يمكن أن تتغيّر ولو في آخر لحظة حسب المعطيات المحيّنة إذا ما كان الهدف أو جملة الأهداف متّفق عليها كما أسلفنا.

ليس الوقت للمغالبة والاعتداد بالرّأي والبرهنة على صواب الرّأي ولو بعد خراب مالطا.

تعالوا الى كلمة سواء.

د. محمّد فتحي الشوك

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock