بين الوسطى… و القبضة

فتحي الشوك

في صبانا كانوا يخوّفوننا بالغول ويحذّروننا من التحدّث مع الغرباء خشية الاختطاف، عرّافة أو ساحرة شرّيرة، أو باحث عن كنز يصطاد كلّ من له نقطة سوداء في أعلى بياض عينه أو خطّ مستقيم متواصل يقسم كفّ يده اليمنى، وكنّا نأخذ تلك المحاذير مأخذ الجدّ ونطبّق تلك الأوامر بحذافيرها.

عرّافة

وقد يصادف أن تطرق بابنا إحدى العرّافات فتخرج إليها جدّتي فاطمة طيّب اللّه ثراها وتعطيها خمس قطع من خمس ملّيمات وتطلب منها الانصراف.

كنّا نتمنّى حينها أن تتركها تدخل لتكشف لنا عمّا يشغلنا حينها، كانت أختاي الأكبر منّي سنّا قد انقطعتا عن الدّراسة مبكّرا ودخلتا في مرحلة الحلم بفارس الأحلام، وكنت حينها أعدّ لمناظرة السّادسة ابتدائي حينما كانت تقام الأفراح وتنصب الولائم بمناسبة النّجاح فيها، وكانت جدّتي تشبع فضولنا ورغبتنا في استكشاف المجهول بأن تقوم بدور العرّافة وكنّا نصدّقها.

كانت تمسح كفّيها وهي تتمتم ثمّ تشبّر يسراها بيمناها، من أقصى وسطى يدها اليسرى حتّى منبت كتفها فتعود من حيث ابتدأت بحركات متسارعة كانت تتسارع معها نبضات قلوبنا وتتّسع حدقات عيوننا ونحن نراقب صراع الخنصر مع الوسطى ونترقّب النّتيجة، كان الإصبع الّذي نعرفه بطويل الغلّة هو العقبة والحدّ الّذي يجب تجاوزه من قبل “صغيّر صغرون” وإن تمّ ذلك فهي بشرى جيّدة تجعلنا نتقافز فرحا.

لم نكن نعلم أنّ ذلك الإصبع يسمّى بالوسطى أو الإصبع الثّالث في الأناتومي البشرية، كما لم نكن نعلم أنّ الإشارة به هو من قبيل البذاءة إلّا حين تشاجرت جدّتي مع إحدى الجارات فتعالى صياحهما لنشاهد جدّتي وهي تشهر وسطاها فما كان من الأخرى إلّا أن ردّت بقبضة يدها اليمنى وهي تلوّح بها كتلك الحركة الّتي نشاهدها في ملاعب كرة القدم وفي مدارجها أو شبيهة بالّتي يقوم بها رئيس سلطة الأمر الواقع وهو يلتقط الصّور مع الفلّاحات الكادحات أو الأطفال.

حينها علمنا أنّ الإشارة بالوسطى فعل مشين وبذيء وأنّ التّلويح بالقبضة أشدّ بذاءة و قبحا.
والفرق واضح بين طول إصبع بسمك سنتيمتر ونصف وطول ذراع بسمك قبضة يد!

هي بذاءة في مناخ العبث والبذاءة والرّثاثة حينما عجزت حروف الهجاء وكلّ الكلمات القبيحة عن وصفه، فلنقل هي وسطى محتجّة صغيرة في وجه قبضة سلطة غاشمة قبيحة.

د. محمّد فتحي الشوك

Exit mobile version